قدْ حالفَ الحقَّ لا يبغِي به ثَمناً |
|
فصارَ بالحقِّ والإيمانِ مقرُونا |
قال : ومَن ذلك؟ قالت : علي بن أبي طالب (ع). قال : ما أرى عليك منه أثراً؟ قالت : بلى ، أتيته يوماً في رجل ولاّه صدقاتنا ، فكان بيننا وبينه ما بين الغثّ والسّمين ، فوجدته قائماً يُصلّي ، فانفتل من الصلاة ، وقال برأفة وتعطّف : «ألك حاجة؟». فأخبرته خبر الرجل ، فبكى ، ثم رفع يديه إلى السّماء ، فقال : «اللهمّ ، إنّي لمْ آمرهمْ بظُلم خلقك ، وترك حقّك». ثمّ أخرج من جيبه قطعة من جراب ، فكتب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ بَقِيّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ). إذا أتاك كتابي هذا ، فاحتفظ بما في يديك حتّى يأتي مَن يقبضه منك ، والسّلام». فعزله. فقال معاوية : اكتبوا لها بالإنصاف لها ، والعدل عليها. فقالت : ألي خاصة أم لقومي عامّة؟ قال : وما أنت وغيرك؟ قالت : والله ، هي إذاً الفحشاء واللؤم. إنْ كان عدلاً شاملاً ، وإلاّ يسعني ما يسع قومي. قال : هيهات! علّمكم ابن أبي طالب الجُرأة ، وغرّكم قوله :
فلو كُنتُ بوَّاباً على بابِ جنَّةٍ |
|
لقلتُ لهمدانَ ادخُلي بسلامِ |
وقوله :
ناديتَ همدانَ والأبوابُ مُغلقةٌ |
|
ومثلُ همدان سنَّى فتحةَ البابِ |
كالهُندُوانيِّ لمْ تُغلَلْ مضاربُهُ |
|
وجهٌ جميلٌ وقلبٌ غيرُ وجَّابِ |
اكتبوا لها حاجتها هكذا كانت عادة الملوك والاُمراء في الحلم عن النّساء ، وإكرامهنّ والرأفة بهنّ ، وعدم مؤاخذتهنّ بشيء من القول ؛ لأنّهن ضعيفات ، إلى أنْ آل الأمر إلى ابن زياد ، واُدخلت عليه حوراء النّساء زينب بنت علي عليهماالسلام ، فإنّه لم يُكرمها بشيء ، إلاّ أنّه التفت إليها ، وقال لها : الحمد لله الذي قتلكم وفضحكم وأكذب اُحدوثتكم. فقالت عليهاالسلام : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد (ص) ، وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا. فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين ، وأهل بيتك؟ قالت : ما رأيت إلاّ جميلاً ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاج وتُخاصم ، فانظر لمَن الفلج يومئذ ، هبلتك اُمّك يابن مرجانة! فغضب ابن زياد واستشاط ، وكأنّه همّ بها ، فقام اليه عمرو بن حريث ، وقال : إنّها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها. فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين ، والعصاة المَرَدة من أهل بيتك