لنزلت من رؤوس الجبال؟! أولست المدّعي زياد بن سميّة المولود على فراش عبيد بن ثقيف ، فزعمت أنّه ابن أبيك ؛ وقد قال رسول الله (ص) : الولد للفراش وللعاهر الحَجَر. فتركت سنّة رسول الله (ص) تعمّداً ، وتبعت هواك بغير هدىً من الله ، ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويقطّع أيديهم وأرجلهم ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النّخل ، كأنّك لست من هذه الاُمّة وليسوا منك؟! أولست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سميّة أنّهم على دين علي صلوات الله عليه ، فكتبت إليه : أنْ اقتل كلّ مَن كان على دين علي ؛ فقتلهم ومثّل بهم بأمرك ، ودين علي هو دين ابن عمّه (ص) الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه. ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين ؛ رحلة الشتاء والصيف؟! وقلتَ فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد (ص) واتّق شقّ عصا هذه الاُمّة وأنْ تردهم إلى فتنة!! وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الاُمّة من ولايتك عليها ، ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني ولاُمّة محمّد (ص) أفضل من أنْ اُجاهدك ، فإنْ فعلت فإنّه قربة إلى الله ، وإنْ تركته فإنّي أستغفر الله لديني وأسأله توفيقَه لأرشاد أمري. وقلتَ فيما قلت : إنْ أنكرتك تنكرني ، وإنْ أكِدك تكدني! فكدني ما بدا لك ، فإنّي أرجو أنْ لا يضرني كيدك ، وأنْ لا يكون على أحد أضرّ منه على نفسك ؛ لأنّك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيتَ بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أنْ يكونوا قاتَلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلاّ لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقّنا ؛ فقتلتهم مخافة أمرٍ لعلّك لو لم تقتلهم متّ قبل أنْ يفعلوا ، أو ماتوا قبل أنْ يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أنّ لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ، وليس الله بناسٍ لأخذك بالظنّة ، وقتلك أولياءه على التهم ، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث ؛ يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلاّ خسرتَ نفسك وبترت دينك ، وغششتَ رعيّتك وأخربت أمانتك ، وسمعتَ مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التّقي ، والسّلام».
فلمّا قرأ معاوية الكتاب ، قال : لقد كان في نفسه شيء ما أشعر به. فقال يزيد : أجبه جواباً يصغر إليه نفسه ؛ تذكر فيه أباه بشرّ فعله. ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال معاوية : أما رأيت ما كتب به الحسين؟ وأقرأه الكتاب. فقال : وما يمنعك أنْ تجيبه بما يصغر إليه نفسه؟ ـ وإنما قال ذلك في هوى معاوية ـ فقال يزيد : رأيت يا أمير المؤمنين رأيي؟ فضحك معاوية وقال : أخطأتما ، أرأيتما لو أنّي ذهبت لعيب عليّ محقاً ، فما عسيت أنْ أقول فيه؟ ومتى ما عبت رجلاً بما لا يعرفه النّاس لم يُحفل به وكذّبه النّاس ، وما عسيت أنْ أعيب حسيناً!