بن أرطأة في عشرين ألفاً ، فصاحوا بهم : هذا أميركم قد بايع ، وهذا الحسن (ع) قد صالح ، فعَلامَ تقتلون أنفسكم؟ فقال لهم قيس ـ أي : لأصحابه ـ : اختاروا أحد اثنين ؛ إمّا القتال مع غير إمام ، أو تبايعون بيعة ضلال؟ فقالوا : بل نُقاتل بلا إمام. فخرجوا وضربوا أهل الشام حتّى ردّوهم إلى مصافهم. وكتب معاوية إلى قيس يدعوه ويمنّيه ، فكتب إليه قيس : لا والله ، لا تلقاني أبداً إلاّ وبيني وبينك السّيف والرمح. وجرت بنيهما مكاتبات أغلظ كلّ منهما فيها لصاحبه ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : مهلاً ، إنْ كاتبته أجابك بأشدّ من هذا ، وإنْ تركته دخل فيما يدخل فيه النّاس. وقال قيس لأصحابه : إنْ شئتم جالدت بكم ، وإنْ شئتم أخذت لكم أماناً؟ فقالوا : خذ لنا أماناً. فأخذ لهم وله أماناً ، ولم يأخذ لنفسه خاصّة شيئاً ، ثمّ لزم المدينة وأقبل على العبادة حتّى مات. أقول : شتّان بين عبيد الله بن العبّاس وقيس بن سعد ، فهذا يسالم معاوية بعدما ذبح بُسر بن أرطأة أولاده الصغار على درج صنعاء حين أرسله معاوية ، ويبيع شرفه بالمال ، ويرضى بالذلّ والعار ، وقيس بن سعد يحلف أنْ لا يلقى معاوية إلاّ بينه الرمح والسيف ، بعد ما بلغه أنّ الحسن قد صالح.
أبتْ الحميَّةُ أنْ تُفارقَ أهلَهَا |
|
وأبَى العزِيزُ بأنْ يعيشَ ذلِيلا |
ولمّا نشر علي (ع) لواءه يوم صفّين ، قال قيس : هذا والله ، اللواء الذي كنّا نحفّ به مع رسول الله (ص) ، وجبرائيل لنا مدد. ثمّ قال :
هذا اللّواءُ الذي كُنّا نحفُّ بهِ |
|
معَ النّبيِّ وجبرائيلٌ لنا مددُ |
ما ضرَّ مَن كانَت الأنصارُ عَيبَتَهُ |
|
أنْ لا يكونَ لهُ منْ غيرِهمْ أحدُ |
قومٌ إذا حارَبُوا طالتْ أكفُّهُمُ |
|
بالمشرفيَّةِ حتّى يُفتحَ البلدُ |
يقول قيس ـ رحمه الله ـ كما سمعت :
هذا اللّواءُ الذي كُنّا نحفُّ بهِ |
|
معَ النّبيِّ وجبرائيلٌ لنا مددُ |
أجل ، إنّ اللّواء الذي حفّت به الأنصار يوم بدر هو الذي حفّت به يوم صفّين ؛ ولهذا كانت تقول عكرشة بنت الأطرش يوم صفّين ـ وكانت مع أمير المؤمنين (ع) ـ : هذه بدر الصغرى والعقبة الكبرى. واللّواء الذي حفّت به جماعة من الأنصار مع الحسين (ع) يوم كربلاء ، هو الذي حفّوا به مع أبيه أمير المؤمنين (ع) يوم صفّين ، وحفّوا به مع جدّه رسول الله (ص) يوم بدر ، ولولا تلك الإحن البدريّة ، والأحقاد الجاهليّة لما كان حرب صفّين وواقعة كربلاء. قالت اُمّ الخير البارقيّة يوم صفّين ـ وكانت مع علي (ع) ـ : إنّها إحن بدريّة ، وأحقاد جاهليّة وثب