ذلك الحسين (ع) ، فكتب إلى معاوية : «أمّا بعد ، فإنّك غررت غُلاماً من بني هاشم ، فابتعت منه أرضاً لا يملكها ، فاقبض من الغُلام ما دفعته إليه ، واردد إلينا أرضنا». فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك ، وأقرأه كتاب الحسين (ع) ، وقال : اردد علينا مالنا ، وخُذ أرضك ؛ فإنّك بِعت ما لا تملك. فقال مسلم : أمّا دون أنْ أضرب رأسك بالسّيف فلا. فاستلقى معاوية ضاحكاً يضرب برجليه ، ثمّ قال : يا بُني ، هذا والله ، كلامٌ قاله لي أبوك حين ابتعت له اُمّك. ثمّ كتب إلى الحسين (ع) : إنّي قد رددت عليكم الأرض ، وسوّغت مسلماً ما أخذ. ومناقب مسلم وفضائله كثيرة ، وشجاعته عظيمة شهيرة ، وهو الذي قال في حقّه الحسين (ع) لمّا بعثه إلى أهل الكوفة ، فكتب إليهم : «أنا باعثٌ إليكم أخي وابنَ عمّي وثقتي من أهل بيتي ، مسلم بن عقيل». وهو الذي أجاب عبيد الله بن زياد بتلك الأجوبة العظيمة ، وذلك حين اُخذ مسلم أسيراً واُدخل على ابن زياد ، فقال له الحرسيّ : سلّم على الأمير. فقال : اسكت ويحك! والله ، ما هو لي بأمير. قال ابن زياد : لا عليك ، سلّمت أم لمْ تسلّم فإنّك مقتول. فقال له مسلم : إنْ قتلتني ، فلقد قتل مَن هو شرّ منك مَن هو خيرٌ منّي. فقال له ابن زياد : قتلني الله إنْ لمْ أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام. فقال له مسلم : أما إنّك أحقّ مَن أحدث في الإسلام ما لمْ يكن ، وإنّك لا تدع سوء القتلة وقبح المُثلة ، وخبث السّريرة ولؤم الغلبة لأحد أولى بها منك. فقال ابن زياد : يا عاق يا شاق ، خرجت على إمامك ، وشققت عصا المسلمين ، وألقحت الفتنة. فقال مسلم : كذبت إنّما شقّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأمّا الفتنة فإنّما ألقحتها أنت وأبوك. فقال ابن زياد : منّتك نفسك أمراً حال الله دونه ، وجعله لأهله. فقال له مسلم : ومَن أهله يابن مرجانة إذا لم نكن نحن أهله؟! فقال ابن زياد : أهله أمير المؤمنين يزيد. فقال مسلم : الحمد لله على كلّ حال ، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم. فقال له ابن زياد : أتظنّ أنّ لك في الأمر شيئاً؟ فقال له مسلم : والله ، ما هو الظنّ ولكنّه اليقين. فقال له ابن زياد : أتيت النّاس وهم جميع ، فشتتّ أمرهم ، وفرّقت كلمتهم. قال : كلاّ لست لذلك أتيت ، ولكنّكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف ، وتأمّرتم على النّاس بغير رضىً منهم ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ؛ فأتيناهم لنأمرهم بالمعروف وننهى عن المنكر. فقال له ابن زياد : لِم لمْ تعمل بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟ قال مسلم : أنا أشرب الخمر؟! أما والله ، إنّ الله ليعلم أنّك تعلم أنّك غير صادق ، وأنّ أحقّ بشرب الخمر منّي مَنْ يقتل النّفس التي حرّم الله على الغضب ، والعداوة ، وسوء الظن. فاقبل ابن زياد يشتمه ويشتم عليّاً