علي (ع) : «ولكنّي والله ، اُحبّ أنْ أقتلك». وقال له علي : «كيف اُقاتلك وأنت فارس؟». فاقتحم عن فرسه وضرب وجهه ، وسلّ سيفه كأنّه شعلة نار ، وأقبل على علي فتنازلا وتجاولا ، فاستقبله عليٌّ (ع) بدرقته ، فضربه عمرو فيها فقدّها ، وأثبت فيها السّيف وأصاب رأسه فشجّه ، فضربه علي (ع) على حبل عاتقه فسقط ، وكان جابر بن عبد الله الأنصاري قد تبع عليّاً لينظر ما يكون منه ومن عمرو. قال : فثارث غبرة فما رأيتهما ، فسمعت التكبير تحتها فعلمت أنّ عليّاً قد قتله ، وكان مع عمرو ابنه حسل فقتله علي (ع). ولمّا قُتل عمرو ، فرّ الأربعة الذين كانوا معه حتّى اقتحمت خيلهم الخندق ، وتوطرت بنوفل فرسه ، فنزل إليه علي فقتله ، ضربه بالسّيف فقطعه نصفّين ، ولحق هبيرة فأعجزه ، وضرب قربوس سرجه فسقطت درع له كان قد احتقبها ، وفرّ عكرمة وضرار ، وانهزم المشركون بقتل عمرو ونوفل ، وذلك قوله تعالى : (وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمنينَ الْقِتَالَ) كفاهم ذلك بعلي (ع). وعن ابن مسعود ، أنّه كان يقرأ : وكفى الله المؤمنين القتال بعلي. قال جابر : فما شبّهت قتل علي عمراً إلاّ بما قصّ الله من قصّة قتل داود جالوت ، حيث يقول الله جلّ شأنه : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) وأقبل علي (ع) برأس عمرو ـ ووجهه يتهلل ـ فألقاه بين يدي النّبيّ (ص) ، فقال له عمر : هلاّ سلبته يا علي درعه ؛ فإنّه ليس في العرب درع مثلها؟ فقال (ع) : «إنّي استحييت أنْ أكشف سوأة ابن عمّي». ورجع علي إلى مقامه الأوّل يحمي الثغرة التي عبر منها عمرو وأصحابه ، وهو يقول :
نصرَ الحجارةَ منْ سفاهةِ رأيهِ |
|
ونصرتُ دينَ محمّدٍ بصوابي |
فضربتُهُ فتركتُهُ مُتجدّلاً |
|
كالجذعِ بينَ دكادِكٍ ورَوابي |
وعففتُ عنْ أثوابِهِ ولو انّنيْ |
|
كُنتُ المُجدَّلَ بزَّني أثوابي |
لا تحسبنَّ اللهَ خاذلَ دينَهُ |
|
ونبيَّهُ يا معشرَ الأحزابِ |
وروى المفيد في الإرشاد ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة بالإسناد عن ربيعة السّعدي ، قال : أتيت حذيفة بن اليمان ، فقلت له : يا أبا عبد الله ، إنّا لنتحدث عن علي ومناقبه ، فيقول لنا أهل البصرة : إنّكم لتفرّطون في علي ، فهل أنت محدثي بحديث فيه؟ فقال حذيفة : يا ربيعة ، وما تسألني عن علي؟ فوالذي نفسي بيده ، لو وُضع أعمال جميع أصحاب محمّد في كفّة الميزان ، منذ بعث الله محمّداً (ص) إلى يوم النّاس هذا ، ووُضع عمل واحد من أعمال علي في الكفّة الاُخرى ، لرجح عمل علي على جميع أعمالهم. فقال ربيعة : هذا الذي لا يُقام له ولا يقعد ولا يُحمل. فقال حذيفة : يا لُكَع! وكيف لا يُحمل