زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمنونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) ووقوف عمرو ينادي بالمسلمين ويُقرّعهم ويوبّخهم ، ويطلب منهم المبارزة ولا يُجيبه أحد إلاّ علي (ع) وهم ثلاثة آلاف ، فيقتل عمراً وينهزم المشركون بقتله ، ويرتفع البلاء ويأتي الفرج بتلك الضربة. وأقلّ نظرة يلقيها الإنسان على تلك الحال توصله إلى اليقين بأنّ ضربة علي (ع) يومئذ أفضل من عبادة الجنّ والإنس والملائكة ، وملايين من العوالم أمثالهم لو كانت سواء ، أجاء الحديث بذلك عن رسول الله (ص) أم لمْ يجىء. ومتى احتاج النّهار إلى دليل؟ ولولا تلك الضربة لمَا عُبد الله ، بل عُبدت الأوثان وانمحى أثر الإيمان. قدورهم وتطرح أبنيتهم ، وذلك قوله تعالى : (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لّمْ تَرَوْهَا) وهي الملائكة ، فارتحلت قريش ورجعت غطفان إلى بلادها. ولمّا كان الصباح ، انصرف رسول الله (ص) بالمسلمين عن الخندق راجعاً إلى المدينة.
وقد افتخر جماعة من المشركين في أشعارهم التي رثوا بها عمرو بن عبد ودّ بأنّ قاتله علي بن أبي طالب ؛ منهم مسافح الجمحي ، قال :
فاذهَبْ عليٌّ فما ظفرتَ بمثلِهِ |
|
فخراً فلا لاقيتَ مثلَ المُعضلِ |
وقال هبيرة بن أبي وهب ، وكان مع عمرو وهرب :
فلا تبعدَنْ يا عمرو حيّاً وهالكاً |
|
فقدْ بنتَ محمودَ الثَّنا ماجدَ الأصلِ |
فمَنْ لِطرادِ الخيلِ تُقدَعُ بالقنا |
|
وللفخرِ يوماً عند قرْقرةِ البُزْلِ |
فعنك عليٌّ لا أرى مثلَ موقفٍ |
|
وقفتَ على نَجْدِ المقدَّمِ كالفحلِ |
فما ظفرتْ كفاك فخراً بمثلِهِ |
|
أمِنْتَ بهِ ما عشتَ منْ زلّةِ النَّعلِ |
ومنهم اُخته عمرة المُكنّاة : اُمّ كلثوم ، فإنّه لمّا نُعي إليها ، قالت : مَن ذا الذي اجترأ عليه؟ قالوا : ابن أبي طالب. فقالت : لمْ يعدُ موتُه أنْ كان على يد كفو كريم ، لا رقأت دمعتي إنْ هرقتها عليه ؛ قتل الأقران وكانت منيته على يد كفو كريم من قومه ، ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ، ثمّ أنشأت تقول:
لو كانَ قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتلِهِ |
|
لكنتُ أبكي عليهِ آخرَ الأبدِ |