فِي خَلْقِ السّماوات وَالأَرْضِ أفلمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا)
وحثّ على السّعي والجدّ والعمل : (وَأَن لّيْسَ لِلاْنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا من فَضْلِ اللّهِ) وقال رسول الله (ص) : «لأنْ يأخذ أحدكم حبلاً فيحتطب على ظهره ، خيرٌ من أنْ يأتيَ رجلاً أعطاه الله من فضله فيسأله ، أعطاه أو منعه». وقال النّبي (ص) : «إنّ الله يُحبّ العبد يتّخذ المهْنة ليستغني بها عن النّاس».
وآخى الإسلام بين كافّة أهله ؛ فآخى النّبي (ص) أوّلاً بين المهاجرين ، ثمّ بين المهاجرين والأنصار ؛ لانحصار المسلمين فيهم يومئذ ، وأراد (ص) بناء الإسلام على أساسٍ ثابتٍ وطيدٍ هو تأليف القلوب ، ورفع الشحناء من النَفوس ، والتّناصر والتعاون ؛ لأنّ ذلك هو السّبب الوحيد في نجاح الأعمال ورُقيّ الاُمم. وأعلن الله تعالى في كتابه العزيز المؤاخاة بين عموم أهل الأسلام ؛ شريفهم ووضيعهم ، رجالهم ونسائهم ، فقال : (إِنّمَا الْمُؤْمنونَ إِخْوَةٌ) وبهذه الإخوّة ، وعلى أساسها المتين والمحافظة عليها ، قام الإسلام وظهر وانتشر ، وبالتهاون بها ضعف وتقهقر. وأردف قوله هذا بقوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الإصلاح من مقتضى تلك الإخوّة وموجبها. وقال النّبي (ص) : «المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يُسلمه». فانظر بعين عقلك ، كم في هذه الإخوّة من منافع وفوائد ، ومصالح عامّة ؛ سياسيّة واجتماعيّة وأخلاقيّة! وكم فيها من تأليف للقلوب وحفظ للنظام الاجتماعي ، وحرص على هناء العيش وسعادة البشر! وهذه هي الإخوّة الصحيحة الشريفة النّافعة التي تفوق كلَّ ما يُسمّى بالإخوّة وتُغني عنه.
والشريعة الإسلاميّة يتساوى فيها جميع الخلق في الحقوق : الملك والرعية ، والشريف والوضيع ، والغني والفقير : «لا يحلّ مالُ امرئٍ إلاّ عن طيب نفسه». «لا شفاعة في حدٍّ». «العدل شاملٌ للكلّ». (وَاُمِرْتُ لأِ عْدِلَ بَيْنَكُمُ إِنّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَان إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَى وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ)
وأوجب الشرع الإسلامي على القاضي أنْ يُسوّي بين الخصمين في الكلام والسّلام ، والمكان والنّظر والإنصات ، وحرّم الرَّشوة وقبول الهديّة ، وأنْ يُلقّن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه.