السّن) من بني مخزوم يُحبه ويلعب معه ، فشكا المخزومي إلى أسد الضرَّ والمجاعة ، فدخل أسد على اُمّه يبكي وأخبرها بذلك ، فأرسلت إلى اُولئك بدقيق وشحم ، فعاشوا فيه أيّاماً ، ثمّ أتى المخزومي إلى أسد مرّة ثانية وشكا إليه الجوع ، فأخبر أسد أباه هاشماً بذلك ، فقام هاشم خطيباً في قريش ، فقال : إنّكم أجدبتم جدباً تقلّون فيه وتذلّون ، وأنتم أهل حرم الله وأشراف ولد آدم ، والنّاس لكم تبع. قالوا : نحن تبع لك فليس عليك منّا خلاف. فجمع كلَّ بني أب على الرّحلتين ؛ في الشّتاء إلى اليمن وفي الصّيف إلى الشّام للتجارات ، فما ربح الغنيُّ قسّمه بينه وبين الفقير حتّى كان فقيرهم كغنيهم ، فجاء الإسلام وهم على ذلك ، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعزّ من قريش ، وهذا معنى قول الشّاعر :
يا أيُّها الرَّجلُ المُحوِّلِ رحْلَهُ |
|
هلاَّ نزلتَ بآلِ عبدِ مَنافِ |
هبلتكَ اُمّكَ لو نزلْتَ بحيِّهمْ |
|
أمنوكَ منْ جُوعٍ ومنْ إقرافِ |
الآخذونَ العهْدَ منْ آفاقِها |
|
والرّاحلونَ لرحْلَةِ الإيلافِ |
والرائشونَ وليس يوجدُ رائشٌ |
|
والقائلون هلُمَّ للأضيافِ |
والخالطونَ فقيرَهُمْ بغنيِّهمْ |
|
حتّى يكونَ فقيرُهُمْ كالكافي |
واستقرّت الرّياسة لهاشم ، وصارت قريش له تابعة تنقاد لأمره وتعمل برأيه ، وكانت الرّفادة والسّقاية في مكّة لأبيه عبد مناف ، فملك هاشم بعد أبيه الرّفادة والسّقاية ، ثمّ وليهما بعده ولده المطّلب ؛ لأنّ عبد المطّلب كان صغيراً ، ثمّ وليهما عبد المطّلب. والسّقاية : هي سقاية الحاجّ ، كانوا يسقون الحاجّ الماء والشّراب ، كانوا يطرحون الزّبيب في الماء ويسقونه الحجيج. والرّفادة : هي إطعام الحجّاج ، فكان هاشم يعمل الطّعام للحجّاج ، يأكل منه مَن لم يكن له سعة ولا زاد ، ويُقال لذلك الرّفادة. وكان هاشم إذا هلّ هلال ذي الحجّة ، قام في صبيحة ذلك اليوم وأسند ظهره إلى الكعبة من تلقاء بابها ، ويخطب ويقول في خطبته : يا معشر قريش ، إنّكم سادة العرب ، أحسنها وجوهاً وأعظمها أحلاماً ، وأوسط العرب أنساباً وأقرب العرب بالعرب أرحاماً. يا معشر قريش ، إنّكم جيران بيت الله ، أكرمكم الله بولايته وخصّكم بجواره دون بني إسماعيل ، وأنّه يأتيكم زوّار الله يُعظّمون بيته فهم أضيافه ، وأحقّ مَنْ أكرم أضياف الله أنتم ، فأكرموا ضيفه وزوّاره ؛ فإنّهم يأتون شُعثاً غُبراً من كلِّ بلد على ضوامر كالقدح ، فأكرموا ضيفه وزوّار بيته. فوربِّ هذه البنيّة ، لو كان لي مال يحتمل ذلك لكفيتكموه ، وأنا مخرجٌ من طيب مالي وحلالي ما لم يُقطع فيه رحم ، ولم يُؤخذ بظلم ، ولم يدخل فيه