قبل عامي أنْ أفد إليه بقومي ، فلم آته وأتيته في عام الحديبية ـ فقلت : يا رسول الله ، بنفسي أنت ما كان إبطائي عنك إلاّ أنّ جلّة قومي أبطؤوا عن إجابتي حتّى ساقها الله إليك ؛ لما أرادها به من الخير لديك ، فأمّا مَن تأخر عنك ، فحظه فات منك ، ولو كانوا ممّن سمع بك أو رآك ، لما ذهبوا عنك. قال (ص) : «فَدِنْ الآن بالوحدانية». قلت : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّك عبده ورسوله.
والجارود بن المنذر العبدي هو من عبد القيس من أهل البصرة ، وعبد القيس قبيلة من العرب من شيعة علي (ع) كانت شديدة الإخلاص في ولائه ، ولمّا جاء أصحاب الجمل إلى البصرة قبل مجيء علي (ع) ، قام رجل من عبد القيس فانتصر لعلي (ع) وردّ عليهم وحاجّهم ، فهمّوا بقتله فمنعته عشيرته ، فلمّا كان الغد ، وثبوا عليه وعلى مَن معه فقتلوا منهم سبعين. ومن عبد القيس زيد بن صوحان العبدي ، وأخوه صعصعة بن صوحان ، وأخوهما سيحان بن صوحان من أهل الكوفة ، كانوا شديدي الإخلاص في ولاء علي (ع). قال زيد يوم الجمل ـ لمّا كتبت إليه عائشة : أقدم في نصرنا أو فخذّل النّاس عن علي ـ : رحم الله اُمّ المؤمنين ، اُمرت أنْ تلزم بيتها واُمرنا أنْ نُقاتل ، فتركت ما اُمرت به وأمرتنا به ، وصنعت ما اُمرنا به ونهتنا عنه. فقُتل زيد يوم الجمل وأخوه سيحان وارتثّ صعصعة. ومنهم حكيم بن جبّلة العبدي من أهل البصرة ، كان من الأبطال الشّجعان ، صادق الولاء لعليٍّ (ع). [روي : أنه] لمّا بلغه ما صنع أصحاب الجمل بعثمان بن حُنيف ، عامل علي (ع) على البصرة من ضربه ، ونتف لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه ، وحبسه ، قال : لستُ أخاف الله إنْ لم أنصره. فجاء في جماعة من عبد القيس ، فقال له عبد الله بن الزّبير : ما لك يا حكيم؟ قال : اُريد أنْ تُخلّوا عن عثمان بن حُنيف ، فيُقيم في دار الإمارة كما كتبتم بينكم وبينه. فقال ابن الزّبير : لا يُخلّى سبيله حتّى يخلع عليّاً. فأنشب حكيم القتال ومعه أربعة قوّاد ، وحكيم بحيال طلحة ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلثمئة ، فضرب رجل ساقَ حكيمٍ فقطعها ، فأخذ حكيمٌ ساقه فرماه بها فأصاب عُنقه فصرعه ووقذه (أي : تركه مسترخياً مُشرفاً على الموت) ، ثمّ حبا إليه فقتله واتكأ عليه ، وقال :
يا فَخْذُ لا تُراعِي |
|
إنّ معي ذِراعي |
أحمي بها كِراعي
فأتى عليه رجلٌ وهو رثيث ، فقال : ما لك يا حكيم؟ قال : قُتلت. قال : مَن قَتلك؟ قال :