أيقنتُ أنّي لا مَحا |
|
لةَ حيثُ صارَ القومُ صائرْ |
قال الصّدوق رحمه الله : وبلغ من حكمة قسِّ بن ساعدة ومعرفته ، إنّ النّبي (ص) كان يسأل مَن يقدم عليه من إياد عن حِكَمِهِ ، ويُصغي إليها سمعه. ثمّ روى بسنده : إنّ وفداً من إياد قدموا على رسول الله (ص) ، فسألهم عن حِكَم قسِّ بن ساعدة ، فقالوا : قال قسٌّ :
يا ناعيَ الموتِ والأمواتُ في جدثٍ |
|
عليهمُ منْ بقايا بزِّهمْ خِرَقُ |
دعْهُمْ فإنَّ لهم يوماً يُصاحُ بهمْ |
|
كما يُنبَّهُ منْ نَوماتِهِ الصَّعقُ |
حتّى يجيئُوا بحالٍ غيرِ حالِهمُ |
|
خلقٌ مَضوا ثمَّ ماذا بعد ذاكَ لقوا |
منهُمْ عُراةٌ ومنهُمْ في ثيابِهمُ |
|
منها الجديدُ ومنها الأورقُ الخَلِقُ |
مطرٌ ونبات ، وآباء واُمّهات ، وذاهبٌ وآت ، وآياتٌ في إثر آيات ، وأمواتٌ بعد أموات. ضوءٌ وظلام ، وليالٌ وأيّام ، وفقيرٌ وغني ، وسعيدٌ وشقي ، ومُحسنٌ ومُسيء. كلاّ بل هو الله واحدٌ ليس بمولود ولا والد ، أعادَ وأبدى وإليه المآب غداً. وفي رواية : أمات وأحيا ، وخلق الذّكر والاُنثى ، وهو ربُّ الآخرة والاُولى.
ومن حِكم قسِّ بن ساعدة ، ما رواه الصّدوق في كمال الدّين ، بسنده عن ابن عباس عن أبيه قال : جمع قسُّ بن ساعدة وُلده ، فقال : إنّ المِعا تكفيه البقلة وتُرويه المذْقة ، ومَن عيّرك شيئاً ففيه مثله ، ومَن ظلمك وجد مَن يظلمه. متى عدلت على نفسك عدل عليك مَن فوقك ، فإذا نهيتَ عن شيء فابدأ بنفسك ، ولا تجمع ما لا تأكل ولا تأكل ما لا تحتاج إليه ، وإذا ادّخرت فلا يكونن كنزُك إلاّ فعلك. وكُنْ عفَّ العيلة (١) مشترك الغنى تسُدْ قومك ، ولا تشاورنّ مشغولاً وإنْ كان حازماً ، ولا جائعاً وإنْ كان فَهماً ، ولا مذعوراً وإنْ كان ناصحاً. ولا تضعنَّ في عُنقك طوقاً لا يمكنك نزعه إلاّ بشقِّ نفسك ، وإذا خاصمت فاعدل ، وإذا قلت فاقتصد ، ولا تستودعن أحداً دينك (٢) وإنْ قرُبت قرابته ؛ فإنّك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلاً ، وكان المستَودَع بالخيار في الوفاء بالعهد ، وكنتَ له عبداً ما بقيت ، فإنْ جنى عليك كنت أولى بذلك ، وإنْ وفى كان
____________________
(١) يعني : كُنْ عند فقرك غنيّاً. ـ المؤلّف ـ
(٢) قال الصّدوق : أمر بالتّقيّة في دينه. ـ المؤلّف ـ