أفنى هذا اليومان ـ يوم الجمل وصفّين ـ ما ينيف على مئة ألف ، كلّهم يزعم أنّه طالب حقٍّ وتابع إمام وعلى بصيرة من أمره ، فإنْ كان الأمر هكذا ، فالقاتل والمقتول في الجنّة. كلاّ ليس كذلك ، ولكن أشكل الأمر والتبس على القوم ، وإنّي لخائف أنْ يرجع الأمر كما بدأ ، وقد نظرت في أمر النّاس فوجدتُ أحمَدَ العاقبتين العافية ، وسأعمل في اُموركم ما تحمدون عاقبته ومغبّته إنشاء الله. ثمّ نزل ، وكتب إلى معاوية : أمّا بعد ، فقد وصل كتابك مع المغيرة بن شعبة وفهمت ما فيه ، فالحمد لله الذي عرّفك الحقَّ وردّك إلى الصّلة ، ولقد قمتُ يوم قرأتُ كتابك مقاماً يعبأ به الخطيب المِدْرَه (أي : المُقدِم في اللسان) ، فتركت مَن حضر لا أهلَ وردٍ ولا صدر ، كالمتحيرين بمهمهٍ ضلَّ بهم الدّليل ، وأنا على أمثال ذلك قدير. وكتب في أسفل الكتاب :
إذا معشَري لمْ ينْصفُوني وجدْتَني |
|
اُدافعُ عنِّي الضَّيمَ ما دُمْتُ باقيا |
اُدافعُ بالحلمِ الجَهولَ مكيدةً |
|
واُخفي له تحتَ العَصاةِ الدَّواهيا |
فإنْ تدنُ منِّي أدنُ منكَ وإنْ تَبنْ |
|
تجدْني إذا لمْ تدنُ منِّي نائيا |
فكتب إليه معاوية بخطِّ يده ما وثق به. فدخل زياد الشّام ، فقرّبه معاوية وأدناه ، واستلحقه فجعله أخاه ؛ لأنّ أبا سفيان كان زنى باُمّه سُميّة وهي تحت عبيد ، وولدته على فراش عبيد ، وأثبت ذلك بشهادة جماعة ، منهم : أبو مريم السّلوي ، وكان خمّاراً في الجاهليّة ، وخالف قول النّبي (ص) : «الولد للفراشِ وللعاهر الحَجَر». وأقرّه على ولايته بفارس ، ثمّ استعمله بعد ذلك والياً على العراق وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبع الشّيعة كما أمره معاوية ، وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيّام أمير المؤمنين (ع) ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم وهدم دورهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون وصلبهم على جذوع النّخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم يبقَ بها معروف منهم. ولم يزل الأمر على ذلك حتّى ولي العراقَين نغله عبيد الله بن زياد ، فاقتدى بأبيه في بغض أهل البيت عليهمالسلام وقتلِ شيعتهم وإيذائهم ، حتّى كان ما كان من قتله مسلم بن عقيل بإلقائه من أعلى القصر حتّى تكسّرت عظامه ، وقتل هاني بن عروة في حُبّ أهل البيت عليهمالسلام ، حتّى تجرّأ على ما هو أعظم من ذلك وأفضع ؛ من تجييش الجيوش لقتال الحسين ابن بنت رسول الله (ص). وبلغ به الخُبث والعداوة لأهل البيت عليهمالسلام إلى أنْ منع الحسين (ع) ، وأطفاله وعياله من شرب الماء حتّى قتله وأهل بيته عطاشى ، ولم يكتفِ بذلك حتّى كتب إلى عمر بن سعد : فإنْ قتلت حسيناً ، فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنّه عاقٌّ شاقٌّ قاطعٌ ظلوم ، ولست أرى أنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئاً ، ولكن على قول