وكما قال أبو العلاء المعرِّي :
دعِ الأيّام تفعلُ ما تُريد |
|
فما أنا في العجائبِ مستزيدُ |
أليس قريشكُمْ قتلتْ حُسيناً |
|
وكان على خلافتِكُمْ يزيدُ |
فلمّا مات معاوية ، كتب يزيد إلى ابن عمّه الوليد بن عتبة ـ أمير المدينة ـ بأخذ البيعة على الحسين (ع) ، ويقول : إنْ أبى عليك ، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه. فامتنع الحسين (ع) من بيعته ، ثمّ خرج ليلاً متوجّهاً إلى مكّة ، فدسّ إليه يزيد بن معاوية مع الحاجّ في تلك السّنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُميّة ، وأمرهم بقتل الحسين (ع) على أي حال اتّفق. فلمّا علم الحسين (ع) بذلك ، وكان قد أحرم بالحجِّ ، جعلها عمرة مفردة ؛ لأنّه لم يتمكّن من إتمام الحجِّ مخافة أنْ يُقبض عليه. فخرج من مكّة إلى العراق ، فكان النّاس يخرجون إلى الحجِّ والحسين (ع) خارج إلى العراق ، فأرسل إليه ابن زياد الحُرَّ في ألف فارس ، فأراد الحسين (ع) الانصراف ، فحال القوم بينه وبين الانصراف ، ثمّ أخذ طريقاً لا يدخله الكوفة ولا يردّه إلى المدينة ، ولم يزل سائراً حتّى انتهى إلى نينوى ، فجاء رسول عبيد الله بن زياد إلى الحُرِّ يأمره بالتّضييق على الحسين (ع) ، وأنْ يُنزله بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء. وذلك من هوان الدُّنيا على الله أنْ يكون عبيد الله ـ نغل مرجانة ـ ابن زياد نغل سُميّة يفعل هذا بابن بنت رسول الله (ص) ، فمنعه الحُرُّ من المسير ، ولم يزل الحُرُّ يُسايره تارة ، ويمنعه اُخرى حتّى بلغ كربلاء ، فلمّا بلغها قال : «أهذه كربلاء؟». قيل : نعم يابن رسول الله. فقال : «هذا موضعُ كربٍ وبلاء. انزلوا ، ها هنا مناخُ ركابنا ومحطُّ رحالنا ، ومقتلُ رجالنا ومسفكُ دمائنا». ثمّ جمع ولده وإخوته وأهل بيته ، ثمّ نظر إليهم فبكى ساعة ، ثمّ قال : «اللهمّ ، إنّا عترة نبيّك وقد اُزعجنا وطُردنا واُخرجنا عن حرم جدِّنا ، وتعدَّت بنو اُميّة علينا. اللهمّ ، فخذ لنا بحقِّنا وانصرنا على القوم الظّالمين». ولم تزل الجيوش تأتي لقتاله إلى كربلاء حتّى بلغت ثلاثين ألفاً ، وورد كتاب ابن زياد إلى ابن سعد : أنْ حِلْ بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، فلا يذوقوا منه قطرة. فبعث خمسمئة فارس فنزلوا على الشّريعة وحالوا بين الحسين (ع) وأصحابه وبين الماء ، ومنعوهم أنْ يستقوا منه قطرة ، وذلك قبل قتل الحسين (ع) بثلاثة أيّام ، ثمّ زحفوا إليه فقتلوا أنصاره وأهل بيته واحداً بعد واحد ، وجماعة بعد جماعة ، بعدما أبلوا البلاء العظيم في نصرته ، وأظهروا من الوفاء والشّجاعة الفائقة ما لا مزيد عليه. ولمّا بقي وحيداً فريداً نادى : «هل مِن ذابٍّ يذبُّ عن حرم رسول الله؟ هل مِن مُوحّدٍ يخاف الله فينا؟ هل مِن مُغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ هل مِن مُعين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟»