استشرته فيه ؛ فمنهم النّاهي عنه ، ومنهم الآمر به ، واختلافهم أوّل ما كرهته. فعلم عبد الله أنّه قد خُدع ، وشاع أمره في النّاس وعظم لومهم لمعاوية ، فقال : لَعمري ، ما خدعته. فلمّا انقضت أقراء اُرينب ، وجّه معاوية أبا الدّرداء إلى العراق خاطباً لها على ابنه يزيد ، فقدمها وبها يومئذ الحسين بن علي عليهماالسلام ـ وهو سيّد أهلها فقهاً وجوداً ـ فقال أبو الدّرداء : هذا ابن بنت رسول الله (ص) ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، فلست بناظر في شيء قبل التّسليم عليه. فلمّا رآه الحسين (ع) ، قام إليه فصافحه ورحَّب به ، فأخبره أبو الدّرداء بما جاء له ، وأنّه رأى أنْ لا يبدأ بشيء قبل التّسليم عليه ، فشكر له الحسين (ع) ذلك ، وقال : «اخطب رحمك الله عليَّ وعليه ، وأعطاها من المهر مثل ما بذل لها». فلمّا دخل عليها ، قال : خطبك أمير هذه الاُمّة وولي العهد يزيد بن معاوية ، وابنُ بنت رسول الله (ص) ، وابن أوّل مَن آمن به ، وسيّد شباب أهل الجنّة. فقالت : قد فوّضت أمري بعد الله إليك. فقال : ابن بنت رسول الله (ص) أحبّهما إلي ، وقد رأيت رسول الله (ص) واضعاً شفتيه على شفتي الحسين (ع) ، فضعي شفتَك حيث وضعها رسول الله (ص). قالت : قد رضيتُه. فتزوّجها الحسين (ع) ، وبلغ ذلك معاوية فتعاظمه. وكان عبد الله بن سلام قد استودعها بدراً من المال ، وكان معاوية قد جفاه لسوء قوله فيه ، فرجع إلى العراق وهو يخاف جحودها لِما سلف منه ، فلمّا قدم لقي الحسين (ع) وذكر له ذلك ، فأخبرها الحسين (ع) به ، فقالت : إنّه لمطبوعٌ عليه بطابعه. فأدخله عليها ، فأخرجت البدر ووضعتها بين يديه ، وخرج الحسين (ع) ، فحثا لها عبد الله من ذلك الدّر حثوات ، وقال : خُذي هذا ، فهو قليل منّي. واستعبرا جميعاً ، فدخل الحسين (ع) وقد رقّ لهما ، فقال : «اُشهد الله أنّها طالق. اللهمّ ، إنّك تعلم أنّي لم أتزوّجها رغبة في مالها وجمالها ، وإنّما أردت إرجاعها إلى بعلها ، فأوجب لي بذلك الأجر». ولم يأخذ ممّا ساق إليها شيئاً ، فتزوّجها عبد الله بن سلام. ومن هذا وشبهه كانت الأحقاد تزداد في قلب يزيد على الحسين (ع) ، حتّى أظهر الشّماتة والفرح يوم جيء إليه برأس الحسين (ع) ونسائه ، ومَن تخلّف من أهل بيته ، فوضع الرّأس الشّريف بين يديه ، وأجلس النّساء خلفه لئلاّ ينظرنَ إليه ، فجعل يقول :
ليتَ أشياخي ببدرٍ شَهدوا |
|
جَزعَ الخزْرجِ منْ وقْعِ الأسلْ |
لأهلّوا واسْتهلّوا فرحاً |
|
ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تشلْ |
قدْ قتلْنا القَرمَ منْ ساداتِهم |
|
وعَدلْناهُ ببدْرٍ فاعتَدَلْ |
لعبتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا |
|
خبرٌ جاء ولا وحيٌ نَزلْ |