الأعظم لا يحيد عنه ، فقال له أهل بيته عليهمالسلام : لو تنكّبته كما فعل ابن الزّبير الذي ذهب على طريق الفرع ؛ لئلاّ يلحقك الطّلب. فأبت نفسه أنْ يُظهر خوفاً أو عجزاً ، وقال : «والله ، لا اُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاضٍ». ولمّا قال له الحُرُّ : اُذكّرك الله في نفسك ؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقْتلنَّ ، أجابه الحسين (ع) مُظهراً له استهانة الموت في سبيل الحقِّ ونيل العزِّ ، فقال له : «أفبالموتِ تُخوفني؟! وهل يعدو بكم الخطبُ أنْ تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس وهو يُريد نُصرة رسول الله (ص) ، فخوّفه ابن عمّه وقال : أين تذهب فإنّك مقتول. فقال :
سأمضِي وما بالموتِ عارٌ على الفتَى |
|
إذا ما نوَى حقّاً وجاهدَ مُسلمَا |
اُقدِّمُ نفسي لا اُريدُ بقاءَها |
|
لتلقَى خميساً في الوغَى وعرمرَما |
فإنْ عشتُ لمْ أندمْ وإنْ متُّ لمْ اُلَمْ |
|
كفى بك ذلاّ ً أنْ تعيشَ فتُرغَما» |
يقول الحسين (ع) : ليس شأني شأن مَن يخاف الموت ، ما أهون الموت عليّ في سبيل نيل العزِّ وإحياء الحقّ. ليس الموت في سبيل ذلك إلاّ حياة خالدة ، وليست الحياة مع الذّل إلاّ الموت الذّي لا حياة معه ، «أفبالموتِ تخوفني؟!» هيهات! طاش سهمك وخاب ظنّك ، أنا لستُ من الذين يخافون الءئموت ويختارون حياة الذّل خوف الموت ؛ إنّ نفسي لأكبر من ذلك ، وهمّتي لأعلى من أنْ أحمل الضّيم خوفاً من الموت .. وهل تقدرون على أكثر من قتلي؟ مرحباً بالقتل في سبيل الله ، ولكنّكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزّي وشرفي ، وما دام ذلك سالماً لي فلا اُبالي بالقتل. وهو القائل : «موتٌ في عزٍّ ، خيرٌ من حياة في ذلّ». وكان يحمل يوم الطّفِّ ويقول :
الموتُ خيرٌ منْ ركوبِ العار |
|
والعارُ أولَى منْ دخولِ النَّارِ |
واللهِ مِنْ هذا وهذا جاري
ولمّا اُحيط به بكربلاء وقيل له : انزل على حكم بني عمّك. قال : «لا والله ، لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذّليل ، ولا أقرُّ إقرار العبيد». وشهد له بالشّمم والإباء وعزّة النّفس أعداؤه ؛ فلمّا كتب ابن زياد إلى ابن سعد عليهما لعائن الله : أنْ اعرض على الحسين وأصحابه النّزول على حُكمي ؛ فإنْ فعلوا فابعث بهم إليّ سلماً ، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم. قال ابن سعد : لا يستسلم والله حسين ؛ إنّ نفس أبيه بين جنبيه.أجل ، إنَّ نفس أبيه (ع) بين جنبيه ، وهو القائل : «ألا إنّ الدَّعيَّ ابن الدَّعيِّ قد رَكزَ بين اثنتين ؛ بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى الله ذلك لنا ورسولُه