المجلس الثاني والسّتون بعد المئتين
الأخوات اللواتي أصابتهُنَّ سهام الدّهر وفُجعن بإخوتهنّ كثيرات ، لكن أشدّهنَّ أشجاناً ، وأعظمهنَّ أحزاناً أربعة : اثنتان في الشّرك ، واثنتان في الإسلام ، وكلّ منهنّ وقفت على جسد أخيها فرأته صريعاً مضرّجاً بالدّم. فأمّا اللتان في الشّرك ، فإحداهنَّ : ليلى اُخت عمرو بن عبدود العامري ، فإنّها لمّا قُتل أخوها عمرو ، برزت من خدرها وهي صارخةٌ معولةٌ حتّى وقفت على جسده ، فرأته مقطوع الرأس ولم تُسلب منه ثيابُه ولا درعُه ، فتعجَّبت من ذلك وقالت : مَن هو قاتل أخي؟ فقيل لها : هو علي بن أبي طالب (ع). فاستبشرت وقالت : لَعمري ، لهو كفو كريم. والله ، لا أرثي أخي ولا أندبه. ثمّ أنشأت تقول :
لو كانَ قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتلِهِ |
|
لكنتُ أبكي عليهِ آخرَ الأبدِ |
لكنّ قاتلَهُ مَنْ لا يُعابُ |
|
بهِ قدْ كان يُدعَى أبوهُ بيضةَ البلدِ |
منْ هاشمٍ في ذُراهَا وهي صاعدةٌ |
|
إلى السّماءِ تُميتُ النّاسَ بالحسدِ |
قومٌ أبى اللهُ إلاّ أنْ يكون لهمْ |
|
كرامةُ الدِّينِ والدُّنيا بلا لدد |
وأمّا الثّانية : فهي صفيّة اُخت مرحب ، فإنّه بعد ما قتله أمير المؤمنين (ع) ، أخذها أسيرة وبعث بها إلى النّبيِّ (ص) مع بلال ، فمرّ بها بلال على مصرع أخيها فرأته صريعاً مُلطّخاً بدمه ، ثمّ جاء بها إلى النّبيِّ (ص) وأوقفها بين يديه ، وهي مذعورة وقد ارتعدت فرائصها ، فقال لها النّبي (ص) : «ما بالِك؟». قالت : يا رسول الله ، اعلم أنّ هذا العبد مرّ بي على مصرع قومي ، فاعتراني ما ترى. فلامه النّبيُّ (ص) وأمر بإطلاقها. وأمّا اللتان في الإسلام ، فإحداهنّ صفيّة عمّة النّبي (ص) ، فإنّه لمّا قُتل أخوها حمزة بن عبد المطّلب في وقعة اُحد ، وقفت عليه فرأته صريعاً مُلطّخاً