بدمه ، وقد خُرق جوفه واستُخرجت كبده ، وقد غطّاه النّبي (ص) بردائه ، فلم يستر جسده بل بقيت رجلاه مكشوفتين ، فستره النّبيُّ (ص) بالحشيش ، فوقفت عليه اُخته صفيّة ، فقال النّبي (ص) لولدها الزّبير : «قُل لاُمّك لتَكفّنّ عن البكاء ، ولترجع إلى خدرها». وأمّا الثّانية ، فهي زينب بنت أمير المؤمنين عليهماالسلام ، وهي أعظمهنَّ شجناً وأشدَّهنّ حُزناً ، وأكثرهنَّ كرباً وأوجعهنَّ قلباً ؛ وذلك لِمَا رأت من المصائب التي لم تُسبق ولم تُلحق بمثلها أبداً ، ولمّا قُتل أخوها الحسين (ع) ، حمل ابن سعد نساءه وبناته وأخواته ومَن كان معه من الصّبيان ، وساقوهم كما يُساق سبي التّرك والرّوم ، فقالت النّسوة : بحقِّ الله ، إلاّ ما مررتم بنا على مصرع الحسين (ع). فمرّوا بهم على الحسين وأصحابه عليهمالسلام وهم صرعى ، فلمّا نظرت النّسوة إلى القتلى ، صحن وضربن وجوههنَّ. قال الرّاوي : فوالله ، لا أنسى زينب بنت علي عليهماالسلام وهي تندب الحسين (ع) ، وتُنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا مُحمّداه! صلّى عليك مليك السّماء ، هذا حُسينك مرمّل بالدماء ، مقطوع الأعضاء ، وبناتك سبايا ـ إلى أن قالت ـ بأبي مَن لا غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيُداوى! بأبي المهموم حتّى قضى! بأبي العطشان حتّى مضى! بأبي مَن شيبته تقطر بالدماء. أمّا اُخت عمرو ، فهوّن حزنها على أخيها أنّ قاتله رجل شريف جليل وهو علي بن أبي طالب (ع) ، وافتخرت بذلك ، وكانت العرب تفتخر بكون القاتل شريفاً ، ويزيد في حزنها على القتيل كون قاتله وضيعاً ؛ وأمّا اُخت مرحب ، فهوّن ما بها إكرام رسول الله (ص) لها ؛ وأمّا اُخت حمزة ، فهوّن حزنها على أخيها أنْ بقي لها رسول الله (ص). أمّا زينب ، فزاد في حزنها وعظيم مصابها أنّ قاتل أخيها شمر بن ذي الجوشن النّذل الرّذل ، ولم يبقَ لها مَن تتسلّى به إلاّ زين العابدين (ع) ، وقد نهكته العلّة وأضرّ به المرض ، فما أعظم مصيبتها ، وأجلّ رزيتها!
لَمْ أدرِ أيَّ رزاياهُمْ اُعدِّدُها |
|
هيهاتَ لمْ اسْتَطعْ عَنهُنَّ تَعبيرَا |