يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة ؛ لأن زي الكل كان واحدا يخرجن في درع وخمار الحرة والأمة فشكوا ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فنزلت (١) هذه الآية : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الآية ، ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء فقال ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ).
فإن قيل : البهتان (٢) هو الزور ، وهو لا يكون إلا في القول ، والإيذاء قد يكون بغير القول ، فمن آذى مؤمنا بالضرب أو أخذ ماله لا يكون قد احتمل (٣) بهتانا؟.
فالجواب : أن المراد : والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بالقول لأن الله تعالى أراد إظهار شرف المؤمنين لأنه لما ذكر أن من آذى الله ورسوله لعن ، وإيذاء الله أن ينكر وجوده أو يشرك به من لا يبصر لا يسمع وذلك قول فذكر إيذاء المؤمنين بالقول وعلى هذا خص إيذاء القول بالذكر لأنه أعم ؛ لأنه الإنسان لا يقدر أن يؤذي الله بما يؤلمه من ضرب أو أخذ مال ويؤذيه بالقول وكذا الغائب لا يمكن إيذاؤه بالفعل ويمكن إيذاؤه بالقول بأن يقول فيه ما يصل إليه فيتأذى ، ووجه آخر في الجواب بأن يقال : قوله بعد ذلك : وإثما مبينا ، كأنه استدرك فكان قوله احتمل بهتانا إن كان بالقول ، وإثما مبينا ما كان الإيذاء(٤).
قوله : «يدنين» كقول ه «قل لعبادي يقيموا (٥)» و «من» للتّبعيض ، و «الجلابيب» جمع «الجلباب» وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار ، قال ابن عباس و (أبو) (٦) عبيدة من نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههنّ بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر (٧). وقوله : (ذلِكَ أَدْنى) أي إدناء الجلابيب أقرب إلى عرفانهنّ (٨) أي أدنى أن يعرفن أنهن حرائر (٩)(فَلا يُؤْذَيْنَ) لا يتعرض لهن ، ويمكن أن يقال : المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها فيعرفن أنهنّ مستورات لا يمكن طلب الزنا منهن (١٠). (وَكانَ اللهُ
__________________
(١) المرجعان السابقان.
(٢) انظر : تفسير الإمام فخر الدين الرازي ٢٥ / ٢٢٩.
(٣) في «ب» فقد بزيادة الفاء.
(٤) انظر : تفسير الرازي ٢٥ / ٢٣٠.
(٥) في أنه خبر يراد به الأمر والآية ٣١. وقد خرج الأمر مخرج الخبر إيماء إلى جلل الأمر.
(٦) زيادة يقتضيها العرف فقد سقطت من كلتا النسختين.
(٧) انظر : معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٧٦ و ٢٧٧.
(٨) قاله السمين في الدر ٤ / ٤٠٢.
(٩) فلا يتبعن وانظر : البغوي ٥ / ٢٧٧ والرازي ٢٥ / ٢٣٠.
(١٠) هذا رأي الإمام الفخر الرازي انظره فيما سبق.