غَفُوراً رَحِيماً) قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية مقنّعة فعلاها بالدرّة ، وقال : يا لكاع أتتشبّهين بالحرائر ألقي القناع (١).
قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) لما ذكر حال المشركين الذين يؤذون الله ورسوله والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ذكر حال المسرّ الذي لا يظهر الحق ويظهر الباطل وهو المنافق ولما كان المذكور من قبل أقواما ثلاثة نظر إلى أمور ثلاثة وهم المؤذون لله والمؤذون للرسول ، والمؤذون للمؤمنين ذكر للمسرين ثلاثة نظرا إلى اعتبار أمور ثلاثة :
أحدها : المنافق الذي يؤذي الله سرّا.
والثاني : الذي في قلبه مرض وهو الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه.
والثالث : المرجف الذي يؤذي النبي عليه (الصلاة (٢) و) السلام بالإرجاف بقوله : غلب محمد ، وسيخرج من المدينة وسيؤخذ ، وهؤلاء وإن كانوا قوما واحدا إلّا أنّ لهم ثلاث اعتبارات وهذا لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) حيث ذكر أصنافا عشرة وكلهم يوجد في واحد بالشخص لكنه كثير الاعتبار (٣) فقال : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) أي عن نفاقهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني الزناة ، (وَالْمُرْجِفُونَ) بالمدينة» بالكذب وذلك أن ناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يوقعون في الناس أنهم قتلوا وهزموا ويقولون قد أتاكم العدو ونحوه ، وقال الكلبي : كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويفشو الأخبار (٤).
قوله : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنحرّشنّك (٥) ولنسلّطنّك عليهم لتخرجهم من المدينة (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) لا يساكنونك فيها أي في المدينة (إِلَّا قَلِيلاً) حتى يخرجوا منها ، وقيل : لنسلطنهم (٦) عليهم بقتلهم ونخرجهم من المدينة.
قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) أي إلّا زمانا قليلا ، أو إلا جوارا قليلا ، وقيل : «قليلا» نصب على الحال من فاعل «يجاورونك» أي إلا أقلّاء أذلّاء بمعنى قليلين ، وقيل : قليلا منصوب على الاستثناء أي لا يجاورك إلا القليل منهم على أذل حال وأقله (٧).
قوله : «ملعونين» حال من فاعل «يجاورونك» قاله ابن عطية (٨) ، والزمخشري (٩)
__________________
(١) تفسير الخازن والبغوي ٥ / ٢٧٧ وفي تفسير الخازن : «متنقبة» والبغوي فيه : «متقنعة».
(٢) زيادة من «ب» على «أ».
(٣) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٣١.
(٤) قاله البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٧.
(٥) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ٣٥٢ وقد قال : «أي لنسلّطنكّ عليهم ونولعنك بهم» وانظر : البغوي ٥ / ٢٧٧.
(٦) في البغوي لنسلطنك وهو الظاهر.
(٧) الدر المصون ٤ / ٤٠٣ والبحر المحيط ٧ / ٢٥١.
(٨) المرجع الأخير السابق.
(٩) الكشاف ٣ / ٢٧٤ و ٢٧٥.