المرء لسانه إلّا من خير كما قال تعالى ، فإنّ الله يقول : ( فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (١) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله » (٢) .
ولأنّ ترك الكلام فيما لا ينفع ممّا يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحلّ ، فإنّ مَنْ كثر كلامه كثر سقطه وقد قال صلّىٰ الله عليه وآله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) (٣) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلّق بالذكر والبحث في العلوم مطلقاً ، إلّا أنّه في حال الإِحرام أشدّ استحباباً ؛ لأنّه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف .
ولا يعارض ذلك ما رواه العامّة عن عمر أنّه كان إذا ركب ناقته وهو مُحرمٌ يقول :
كأنّ راكبها غصن بمروحة |
|
إذا تدلّت به أو شارب ثمل (٤) |
وفِعْلُ عمر لا حجّة فيه ، خصوصاً مع معارضة فعل النبي صلّى الله عليه وآله .
مسألة ٣١٣ : لو ارتدّ في أثناء الحجّ والعمرة ، لم تُفسدهما ، ولا يعتدّ بما فَعَله في زمان الردّة ـ وهو قول بعض الشافعية (٥) ـ لأصالة الصحّة ، وبراءة الذمّة ، والخروج عن العهدة بامتثال الأمر .
وقال بعض الشافعية : إنّها تُفسدهما ، سواء طال زمانها أو قصر (٦) .
__________________
(١) البقرة : ١٩٧ .
(٢) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ١٠٠٣ .
(٣) صحيح مسلم ١ : ٦٨ / ٤٧ ، صحيح البخاري ٨ : ٣٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٦٥٩ / ٢٥٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٩٢٩ / ٢٢ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦ .
(٤) سنن البيهقي ٥ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦ .
(٥ و ٦) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٤٠٠ .