مسألة ١٥٩ : مَنْ لا يريد النسك لو تجاوز الميقات ، فإن لم يُرِدْ دخول الحرم ، بل أراد حاجةً في ما سواه ، فهذا لا يلزمه الإِحرام إجماعاً ، ولا شيء عليه في ترك الإِحرام ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله أتى هو وأصحابه بَدْراً مرّتين ، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره ، فيمرّون بذي الحليفة فلا يُحْرمون ، ولا يرون بذلك بأساً (١) .
ثم لو تجدّد له عزم الإِحرام ، احتمل الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه ، وهو قول إسحاق وإحدى الروايتين عن أحمد (٢) .
وفي الاُخرى : يُحْرم من موضعه ولا شيء عليه ، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد (٣) .
وأمّا إن أراد دخول الحرم إمّا إلى مكة أو إلى غيرها ، فأقسامه ثلاثة :
الأول : مَنْ يدخلها لقتال مباح ، أو من خوف ، أو لحاجة متكرّرة ، كالحشّاش والحطّاب وناقل المِيرَة (٤) ، ومَنْ كانت له ضيعة يتكرّر دخوله وخروجه إليها ، فهؤلاء لا إحرام عليهم ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله دخل يوم الفتح مكة حلالاً وعلى رأسه المِغْفَر (٥) ، وكذا أصحابه (٦) .
ولأنّ في إيجاب الإِحرام على مَنْ يتكرّر دخوله مشقّةً عظيمةً ؛ لاستلزامه
__________________
(١) انظر : المغني ٣ : ٢٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢١ .
(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤ .
(٣) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٧٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤ .
(٤) المِيرَة : الطعام . المفردات في غريب القرآن : ٤٧٨ « مور » .
(٥) المِغفَر : زَرَدُ يُنسج من الدروع علىٰ قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة . والزّرد : حِلَقُ المِغفَر والدرع . لسان العرب ٥ : ٢٦ و ٣ : ١٩٤ .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ ـ ٩٩٠ / ١٣٥٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ .