ضغط أو حُرمان مادّي. إنّ التركيبة النّفسية لقادة الثّورة تتناقض مع القيم الأخلاقيّة السّائدة في مجتمعهم ، فهم يحسّون بدوافع قويّة للدفاع عن المُثل التّي اُهدرت ، ويشعرون باختلال الطّريق البشري إلى الارتقاء الرّوحي ، وأنّهم ينذرون لإعادة الجماعة الإنسانيّة إلى الطّريق السّوي. وكثيراً ما يكون القائد الثّوري محكوماً عليه بالإندفاع في طريق الثّورة ؛ بحيث لا يملك التّراجع حتّى ولو أراد. إنّ طبيعته تدفعه إلى الثّورة حتّى لحظات الخطر الماحق والعذاب الرّهيب.
ولسنا ندري لماذا يختار البطل الثّوري الجانب الخاسر في اللحظات الحاسمة حين يكون الإختيار بين أمرين : التّراجع الآمن ، والعذاب المحقّق
وكما ينطبق هذا على الثّائر القائد ينطبق على الثّائر الجندي. وعلى المشانق والمقاصل والصّلبان ، وفي حجرات التعذيب الحديثة والقديمة يظهر هذا الجنون المصمّم المنتحر ؛ وهو جنون يُقابل جنوناً من نوع آخر ، جنون السّلطة الذي يُجافي كلّ قيمة من القيم الإنسانيّة ، جنون وحشي مصمّم يثير من الدّهشة ما يثيره من ثبات الثّائر وإصراره.
وأروع لحظات الاستشهاد لا تظهر إلاّ في لحظات الإنحدار الرّوحيّة الشّديدة ، وكأنّ المجموعة البشرية تطلق كلّ امكانياتها في هذه اللحظات الشّديدة الخطورة.
عندئذٍ يصبح الصّراع الطّبقي مُجرّد ذريعة لتتخطّى البشرية هوّة الإنحدار الأخلاقي.
وأمامنا الكثير من قصص الغدر والخيانة والتّوحش في تلك الفترة ، لتدلّنا على مدى ما وصل إليه الإنهيار الأخلاقي في تلك الفترة التّي عزم فيها الحسين بن علي (ع) على التّصدي للنظام.
فلقد رأى الحسين (ع) كيف تخاذل الأنصار عن أبيه (ع) ، ورأى ضعف النّاس إزاء السّلطة والإغراء ، ورأى غير ذلك من الحوادث الغريبة التّي تشكك الرّجل في نفسه.
ومع ذلك خرج الحسين (ع) وهو يحسب أنّ النّاس ما زالوا يطلبون العدل الإجتماعي ، وأنّه من الطّبيعي أنْ ترفض الكرامة البشرية أنْ يُفرض عليها حاكم سكّير عربيد في مجتمع يعتبر السّكر والعربدة معصية تستوجب عقاب الله والمُجتمع.