(يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو مصلحهم ومؤديهم بطاعتهم (٣) إلى جنات النعيم.
وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا : يا محمد ، هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن ، أفحقا كان ما كنت عليه ، فقد تركته إلى باطل؟ فإن ما يخالف الحق فهو باطل ، أو كان باطلا فقد كنت عليه طول هذه المدة؟ فما يأمنا أن تكون الآن على باطل؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : بل ذلك كان حقا ، وهذا حق ، يقول الله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إذا عرف صلاحكم ـ يا أيها العباد ـ في استقبال المشرق أمركم به ، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به ، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به ، فلا تنكروا تدبير الله في عباده ، وقصده إلى مصالحكم.
ثم قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لقد تركتم العمل يوم السبت ، ثم عملتم بعده في سائر الأيام ، وتركتموه في يوم السبت ، ثم عملتم بعده ، أفتركتم الحق إلى الباطل ، أو الباطل إلى الحق؟ أو الباطل إلى الباطل أو الحق إلى الحق؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم.
قالوا : بل ترك العمل في السبت حق ، والعمل بعده حق.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقتها حق ، ثم قبلة الكعبة في وقتها حق.
فقالوا : يا محمد : أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى (٤) نقلك إلى الكعبة؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما بدا له عن ذلك ، لأنه العالم بالعواقب ، والقادر على المصالح ، لا يستدرك على نفسه غلطا ، ولا يستحدث له رأيا بخلاف المتقدم ، جل عن ذلك ، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنعه عن مراده ، وليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه ، وهو عز وجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا.
ثم قال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أيها اليهود ، أخبروني عن الله ، أليس يمرض ثم يصح ، ويصح ثم يمرض ، أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت (٥) ، أليس يأتي بالليل في أثر النهار ، ثم النهار في أثر الليل ، أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا : لا.
قال : فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بدا له في الأول ، ثم قال : أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف ، والصيف في أثر الشتاء ، أبدا له في كل واحد منهما؟
قالوا : لا. قال : فكذلك لم يبد له في القبلة».
قال : «ثم قال : أليس قد ألزمكم أن تحترزوا في الشتاء من البرد بالثياب الغليظة ، وألزمكم في الصيف أن
__________________
(٣) في المصدر : وهو مصلحتهم ، وتؤديهم طاعتهم.
(٤) في المصدر : حين.
(٥) في المصدر زيادة : أبدا له.