الهدية ولا يقبل الصدقة ، له حوض من شفير زمزم إلى مغيب الشمس ، يدفق فيه ميزابان (٦) من الرحيق والتسنيم ؛ فيه أكاويب عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، وذلك بتفضيلي إياه على سائر المرسلين (٧) ، يوافق قوله فعله ، وسريرته علانيته ، فطوبى له وطوبى لامته الذين على ملته يحيون ، وعلى سنته يموتون ، ومع أهل بيته يميلون ، آمنين مؤمنين ، مطمئنين مباركين ، يظهر في زمن قحط وجدب ، فيدعوني فترخي السماء عزاليها (٨) حتى يرى أثر بركاتها في أكنافها ، وأبارك فيما يضع فيه يده.
قال : إلهي سمه؟ قال : نعم ، هو أحمد ، وهو محمد ، رسولي إلى الخلق كافة ، وأقربهم مني منزلة ، وأخصصهم (٩) عندي شفاعة ، لا يأمر إلا بما أحب وينهى لما أكره.
قال له صاحبه : فأنى تقدم بنا (١٠) على من هذه صفته؟ قال : نشهد أحواله وننظر آياته (١١) ، فإن يكن هو ساعدناه بالمسألة ، ونكفه بأموالنا عن أهل ديننا من حيث لا يشعر بنا ، وإن يك كاذبا كفيناه بكذبه على الله عز وجل.
قال : ولم ـ إذا رأيت العلامة ـ لا تتبعه؟ قال : أما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم؟ أكرمونا ومولونا ، ونصبوا لنا الكنائس وأعلوا فيها ذكرنا ، فكيف تطيب النفس بالدخول في دين يستوي فيه الشريف والوضيع؟
فلما قدموا المدينة ، قال من رآهم من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما رأينا وفدا من وفود العرب كانوا أجمل منهم ، لهم شعور وعليهم ثياب الحبر ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متناء عن المسجد ، وحضرت صلاتهم ، فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تلقاء المشرق ، فهم بهم رجال من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تمنعهم ، فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : «دعوهم» فلما قضوا صلاتهم جلسوا إليه وناظروه ، فقالوا : يا أبا القاسم ، حاجنا في عيسى؟ قال : «هو عبد الله ، ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه».
فقال أحدهم : بل هو ولده وثاني اثنين. وقال آخر : بل هو ثالث ثلاثة ، أب وابن وروح القدس ، وقد سمعناه في قرآن نزل عليك يقول : فعلنا وجعلنا وخلقنا ، ولو كان واحدا لقال : خلقت وجعلت وفعلت. فتغشى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الوحي فنزل عليه صدر سورة آل عمران إلى قوله رأس الستين منها : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) إلى آخر الآية.
فقص عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم [القصة وتلا] القرآن ، فقال بعضهم لبعض : قد ـ والله ـ أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم. فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن الله عز وجل قد أمرني بمباهلتكم».
__________________
(٦) في المصدر : الشمس حيث يغرب فيه شرابام
(٧) في «ط» نسخة بدل : المسلمين.
(٨) عزاليها : مطرها. «لسان العرب ـ عزل ـ ١١ : ٤٤٣».
(٩) في «ط» والمصدر : وأحضرهم.
(١٠) في «ط» : فأين تعدّينا.
(١١) في «ط» : أيامه.