لحمزة ، فرأيته يهد الناس هدا ، فمر بي فوطئ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها ، ورميته فوقعت في خاصرته ، فخرجت من مثانته مغمسة بالدم ، فسقط ، فأتيته فشققت بطنه وأخذت كبده ، وأتيت بها إلى هند ، فقلت لها : هذه كبد حمزة. فأخذتها في فيها فلاكتها ، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة (١٢) فلفظتها ورمت بها ، فبعث الله ملكا فحملها وردها إلى موضعها ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام : «أبى الله أن يدخل شيئا من بدن حمزة النار» ـ فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره ، وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها ، وقطعت يديه ورجليه.
وتراجع الناس ، فصارت قريش على الجبل ، فقال أبو سفيان وهو على الجبل : اعل هبل. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمير المؤمنين : «قل له : الله أعلى وأجل». فقال : يا علي إنه قد أنعم علينا (١٣). فقال علي عليهالسلام : «بل الله أنعم علينا».
ثم قال أبو سفيان : يا علي ، أسألك باللات والعزى ، هل قتل محمد؟ فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : «لعنك الله ، ولعن اللات والعزى معك ، والله ما قتل محمد ، وهو يسمع كلامك». فقال : أنت أصدق ، لعن الله ابن قميئة ، زعم أنه قتل محمدا.
وكان عمرو بن قيس (١٤) قد تأخر إسلامه ، فلما بلغه أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الحرب أخذ سيفه وترسه وأقبل كالليث العادي ، يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله. ثم خالط القوم فاستشهد ، فمر به رجل من الأنصار فرآه صريعا بين القتلى ، فقال : يا عمرو ، أنت على دينك الأول؟ فقال : لا والله (١٥) ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله. ثم مات ، فقال رجل من أصحاب رسول الله : يا رسول الله ، إن عمرو بن قيس قد أسلم وقتل ، فهو شهيد؟ فقال : «إي والله شهيد ، ما رجل لم يصل لله ركعة ودخل الجنة غيره».
وكان حنظلة بن أبي عامر رجل من الخزرج ، قد تزوج في تلك الليلة التي كانت صبيحتها حرب احد ، بنت عبد الله بن أبي سلول ، ودخل بها في تلك الليلة ، واستأذن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقيم عندها ، فأنزل الله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) (١٦) فأذن له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه الآية في سورة النور ، وأخبار احد في سورة آل عمران ، فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزل الله.
__________________
(١٢) الدّاغصة : العظم المدوّر المتحرّك في رأس الرّكبة ، «المعجم الوسيط ـ دغص ـ ١ : ٢٨٧».
(١٣) كان الرجل من قريش إذا أراد ابتداء أمر ، عمد إلى سهمين ، فكتب على أحدهما : نعم ، وعلى الآخر : لا ، ثمّ يتقدّم إلى الصّنم ويجيل سهامه ، فإن خرج سهم نعم أقدم ، وإن خرج سهم لا امتنع ، وكان أبو سفيان لمّا أراد الخروج إلى أحد استفتى هبل ، فخرج له سهم الإنعام «النهاية ٣ : ٢٩٤» ولعلّه المراد بقوله : أنعم علينا.
(١٤) الظاهر أنّه عمرو بن ثابت بن وقش. انظر أسد الغابة ٤ : ٩٠.
(١٥) في المصدر : فقال معاذ الله.
(١٦) النور ٢٤ : ٦٢.