حَكى صاحبُ الكتابِ (١) وأبو زَيد ذَلِك عَنهُم : جِئتُ مِنْ مَعِهِم ، أَي : مِنْ عِنْدِهِم ، فَكَأَ نَّهُ قَالَ : هَذا ذِكرٌ مِن عِندِي وَمِن قَبْلِي ، أي : جِئتُ أَنَا بِهِ ، كَمَا جاءَ بِهِ الأنبياءُ من قَبْلِي ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوح وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ) (٢). (٣)
تجريد الظرف من معنى الظرفية
قَرَأَ طلحة : (لَيْسَ لَهَا مِمَّا يَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ وَهْيَ عَلَى الظالمينَ ساءَتِ الغَاشِية) (٦).
قَالَ أَبو الفتح : هَذِه القراءة على تقديرِ : (دُونِ اللهِ) اسماً هُنا لاَ ظرفاً لأَنَّ الإِضَافة تسلبُهُ معنى الظرفيَّة التي فيه ، كقولهم :
يَا سَـارقَ الليلـةِ أَهـلَ الـدارِ (٥)
وَتِلك عَادَةُ سيبويه (٦) إذا أَرادَ تجريدَ الظرفِ مِنْ مَعْنَى الظرفيةِ فَإنَّهُ يُمَثّلُه
__________________
(١) قال سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٠٩ : ذَهَبَ مِن مَعَهُ.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٦٣.
(٣) المحتسب : ٢ / ٦١.
(٤) من قوله تعالى من سورة النجم : ٥٣ / ٥٨ : (لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ).
(٥) انظر : الكتاب : ١ / ٨٩ والأمالي لابن الشجري : ٢ / ٢٥٠ وشرح المفصل : ٢ / ٤٦ وهمع الهوامع : ١ / ٢٠٣ والخزانة : ٣ / ١٠٨ و ٤ / ٢٣٣ والدرر اللوامع : ١ / ٧٢.
قَالَ الفرّاء : أَضَافَ سَارِقاً إلى الليلةِ وَنَصَبَ (أَهلَ الدارِ) وكانَ بَعضُ النحويينَ ينصب الليلةَ ويخفض (أهلَ) فيقول :
يا سـارق الليلـةَ أَهـلِ الــدارِ
وكناحتِ يوماً صخرة ، وَلَيْسَ ذَلِك حَسَناً في الفِعلِ ، وَلَوْ كَانَ اسماً لَكَانَ الّذي قالوا أَجوز.
انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٨٠.
(٦) انظر : الكتاب : ١ / ٨٩.