المَغفرةِ ، وذلك أَنَّهُ سبحانَه إنَّما يرحمُ فيغفرُ ، فَكَأَنَّ رتبَة الرحمةِ أَسْبَقُ في النفسِ مِنْ رُتبَةِ المغفرةِ ، فَلِذَلِك جازَ بَلْ حَسُنَ تَعْلِيقُ اللاَّمِ في (لَهُنَّ) بنفسِ (رَحيْمٌ) وإنْ كانَ بعيداً عنْها لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَونِ الرَّحْـمَـة سَبَباً للمَغفرةِ ، فَإذَا كانَتْ في الرَّتبَةِ قَبلَهَا معنىً حَسُنَ أَنْ تَكونَ قَبْلَهَا لَفْظاً أَيضاً. فَإنْ جَعَلْتَ (رَحيْمٌ) صِفَةً لـ (غَفُورٌ) لَمْ يجزْ أَنْ تُعَلِّقَ في (١) لهن بنفس (رَحيْمٌ) لاِمتناعِ تَقديمِ الصِّفةِ عَلَى مَوصُوفِهَا.
وإذَا لَمْ يجْز أَنْ يُنْوَى تقديمُها عليه لم يجزْ أَنْ تضع ما تعلَّقَ بِهَا قبلَهُ لأَ نَّهُ إنَّما يجوزُ أَنْ يقعَ المعمولُ بحيثُ يجوزُ أَنْ يَقَعَ العاملُ فيهِ ، وأَنْتَ إذا جعلتَ رحيماً صِفَةً لـ (غَفُورٌ) لَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَدِّمَهُ عليهِ لامتناعِ جوازِ تَقْدِيمِ الصفةِ على مَوصُوفِهَا ، وَإذا كانَتْ حَالَّةً مِنهُ مَحَلَّ آخرِ أجزاءِ الكلمةِ مِنْ أوَّلِهَا فاعرفْ ذلك (٢).
مِـن
قَرَأَ علي بن أَبي طالب (عليه السلام) : (مِنْ بَعْثِنَا) (٣).
قال أَبو الفتح : أيْ يَا وَيْلَنَا مِنْ بَعْثِنَا مِن مَّرْقَدِنَا ، كَقَولِك : يَا ويلي مِنْ أَخْذك مِنّي مَالِي فـ (مِنْ) الأُولَى مُتَعَلِّقَةٌ بالوَيلِ ، كَقَوْلِك : يَا تَأَ لُّمِي مِنْك.
وإنْ شِئْتَ كَانَتْ حَالاً مِنْ (وَيْلِنَا) فَتَعَلَّقَتْ بمحذوف حَتَّى كأَ نّهُ قَالَ :
يا ويلنا كائناً مِنْ بَعْثِنَا ، وجازَ أَنْ يكونَ حالاً مِنْهُ كَما يجوزُ أَنْ يَكُونَ
__________________
(١) لا محل لـ (في) هنا.
(٢) المحتسب : ٢ / ١٠٨ ـ ١٠٩.
(٣) من قوله تعالى من سورة يس : ٣٦ / ٥٢ : (قَالُوا يَا وَيْلَـنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).