ويؤكّده أَيضا قولُهُ تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِك مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْك وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْك) (١) فجرى قولُهُ سبحانه : (وَمَا مُحَمَّد إلاَّ رَسول قَد خَلَتْ مِن قَبِلِهِ رُسُلٌ) (٢) مجرى قولك لصاحبك : أخدم كَمَا خَدَمَنَا غَيرُك مِن قَبلِك ولا تبعةَ عليك بَعْدَ ذَلِك ، فهذا إذاً موضع اسماح له فلابدّ إذن من إلانة ذكره.
وعليه جاء قولُهُ تعالى : (أَفئِنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ) (٣) فَأضَافَ سبحانَهُ مِن عذرِهم وَأعْلَمَ أنْ لاَ متَعَلَّق عليه بشيء من أمرهم ، فلهذا حسن تنكير (رُسُل) هاهنا (٤).
٢ ـ مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته
قرأ الأعمش : (آلحقُّ هو) (٥).
قال أَبو الفتح : اعلم أَنَّ الأجناسَ تتساوى فائِدتَا معرفتِها ونكرتِها في هذا ، تقول : ثِق بأمان مِنَ اللهِ ، وَثِق بالأمانِ من اللهِ ، وهذا حقٌّ وهذا الحقُّ ، وهذا صدقٌ ، وهذا الصدقُ ، ومِنهُ قَولُهُم : خَرَجْتُ فإذَا بالبابِ أسدٌ ، وإذا بالباب الأسد ، المعنى واحد ، ووَضْعُ اللَّفظِ مختلف ، وسببُ ذلك كونُ
__________________
(١) سورة غافر : ٤٠ / ٧٨.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٤ وفي المصحف الشريف (الرُّسُلُ).
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٤.
(٤) المحتسب : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٥) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٥٣ : (وَيَسْتَنبِئُونَك أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ).