مِن قُبُلِهِ. فَلَمّا حَذَفَ المضافَ إليه ـ أعني الهاءَ وهي مرادَه ـ صار المضاف غاية نفسه بعد ما كان المضاف إليه غاية له ، وهذا حديثٌ مَفْهُومٌ في قولِ اللهِ سبحانَهُ : (مِن قَبلُ وَمِن بَعْدُ) فَبُنِيَ هُنا كَمَا بُنِي هُنَاك عَلَى الضَّمِّ. وَوكَّدَ البِنَاءَ أَنَّ قُبُلَ وَدُبُرَ يَكُونَانِ ظَرفَينِ ، أَلا تَرى إلى قول الفرَزدَق :
يُطاعِنُ قُبْلَ الخَيلِ وَهوَ أَمَامَهَا |
|
وَيَطعَنُ عَن أَدبَارِهَا إنْ تَوَلَّتِ (١) |
وَقَال اللهُ سبحَانَهُ : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (٢) فَنَصَبَهُ عَلَى الظَرفِ وَهوَ جَمْعُ دُبُر (٣).
ظرف الزمان
قَرَأَ الحسن والأعمش والثقفي وروي عن أبي عمرو : (يَومَ الزِّينَةِ) (٤) بالنَّصبِ.
قالَ أبو الفتح : أمَّا نصبُ (يومَ الزِّينَة) فَعَلَى الظرفِ (٥) ، كَقَولِنَا : قيامُك يَومَ الجمعةِ فالموعدُ إذاً ههنا مصدرٌ ، والظرفُ بَعدَهُ خبرٌ عَنهُ. وَهوَ عِندِي عَلَى حذف المُضافِ ، أَي : إنجازُ مَوعِدِنَا إيَّاكُم في ذَلِك اليومِ.
__________________
(١) نسبه الأخفش في كتاب القوافي : ٤ إلى الفرزدق والبيتُ ليس في ديوانه.
(٢) سورة الطور : ٥٢ / ٤٩ ، وفتح همزة وإدبار مروي عن الأَعمش والمطوعي.
اُنظر : مختصر في شواذ القرآن : ١٤٦ وإتحاف فضلاء البشر : ٢٤٨.
(٣) المحتسب : ١ / ٣٣٨.
(٤) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ٥٩ : (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحـىً).
(٥) وتابعه في ذلك مكّي بن أَبي طالب والعكبري وقال ابنُ الأنباري : لا يجوزُ أنْ يكونَ (يوم) ظرفاً. انظر : مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٤٦٥ وإملاء ما منَّ به الرحمن : ٢ / ١٢٣ والبيان : ٢ / ١٤٤.