كَذَلِك قَولنَا : مَرَرتُ بِطَويل ، لاَِنَّ الطَّويلَ قَد يجوز أَنَّ يكونَ رَجُلاً وأَن يَكونَ رُمْحاً ، وأَنْ يَكُونَ حَبلاً وجِذْعاً ، ونَحو ذَلِك. فَهَذَا هُو الذِي يقبُح ، والأوَّلُ هو الذي يَحسُنُ ، فَإنْ قَامَ دَليل مِن وجه آخر عَلى إرادَةِ المَوصُوفِ سَاغَ وضعُ صفتِهِ مَوضِعَهُ ، فاعْرفْ ذَلِك واعتَبِرْهُ بما ذَكَرْنَا.
وإنّما قَبحَ حذفُ الموصوفِ مِن مَوضِعينِ :
أحدهما : أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا لَحِقَتِ الموصوفَ إمَّا للتَخصِيصِ والبَيَانِ ، وإمَّا لِلإسْهَابِ والإِطنَابِ ، وكلَّ واحد مِنْ هذينِ لا يليق بِهِ الحذفُ ، بَل هَو مِن أَماكِنِ الإطنَابِ والهَضبِ (١). واعلم أنَّ الصِّفَةَ كَمَا تُفيدُ فِي المَوصُوفِ ، فَكَذَلِك قَد يُفيدُ المُوصُوفُ فِي صِفَتِهِ ، أَلا ترَاكَ إذا قُلتُ مَرَرْتُ بِغُلام طويل فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ طويلاً هُنَا إنسانٌ؟ ولو لَمْ يتقَدَّم ذِكرُ الغُلامِ لَم يُعْلَمْ أَنَّهُ لإنسان أَو غيرِهِ مِنْ الرمحِ أَو الجذع ونحوهما وكذلك قَدْ عُلِمَ بقَولِك : طويل ، أَنَّ الرَّجُلَ طويلٌ وليسَ بربعة ولاَ قصير وهَذَا أَحَدُ مَا خلط الموصوف بصفته حَتَّى صارتْ مَعَهُ كالجزءِ مِنْه وذَلِكَ لِتَساويهما فِي إفادَةِ كُلِّ واحد منْهُمَا فِي صاحِبهِ ما لولا مكانُهُ لم يُفِد فِيهِ (٢).
الوصف بالمصدر يفيد المبالغة
قَرَأَ مجاهد وأَبو رَوق : (يَوْمَئِذ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقُّ) (٣) ، رفعاً قال
__________________
(١) الهَضُبُ : الاندفاع في الحديث ، يُقالُ : هَضَبَ وأَهضَبَ في الحديثِ إذا انَدفَعَ فِيهِ.
لسان العرب : ـ هضب ـ ٢ / ٣٨٤.
(٢) المحتسب : ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢.
(٣) من قوله تعالى من سورة النُّور : ٢٤ / ٢٥ : (يَوْمَئِذ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ).