اللاّم
قَرَأَ ابنُ عباس وَسعيد بن جُبَير : (مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحيْمٌ) (١).
قَال أبو الفتح : اللاّمُ في (لَهُنَّ) مُتَعَلِّقَة بـ (غَفُورٌ) لأَ نّها أدنى إِليها وَلأنَّ فَعُولاً أقعدُ في التَّعدِّي مِنْ فَعِيل ، فَكَأَ نَّهُ قَالَ : فإِنَّ اللهَ من بَعْدِ إكْراهِهِنَّ غَفُورٌ لَهُنَّ ـ ويجوزُ أنْ تَكُونَ أيضاً مُتَعَلِّقَةً بـ (رَحيْمٌ) ، وَذَلِك أَنَّ ما لا يتعدّى قد يتعدّى بحرف الجرّ ، ألا تراك تقول : هذا مارٌّ بزيد أَمسِ فَتُعْمِل اسمَ الفاعلِ وهوَ لِمَا مضى ، لأَنَّ هُنَاك حرفُ الجرِّ وإنْ كُنْتَ لا تُعدِّيهِ فَتَنصِب بهِ وَهْوَ لِمَا مَضَى؟ فَكَذَلِك يَجوزُ تَعَلَّقُ اللاَّمِ في (لَهُنَّ) بنفسِ (رَحيْمٌ) وَإنْ كُنْتَ لا تُجيز : هَذَا رحيم زيداً على مذهب الجماعة (٢) غير سيبويه وَلأَجْلِ اللاّمِ فِي (لَهُنَّ).
فَإنْ قُلْتَ : فَإِذَا كَانَتِ اللاّمُ في (لَهُنَّ) متعلّقةً بـ (رَحيْمٌ) وإنَّما يجوزُ أَنْ يَقَعَ المَعْمُولُ بحيثُ يجوزُ وقوعُ العامِلِ أفَتُقَدّم رحيماً على غفور وهو تابعٌ لَهُ؟ قِيلَ : اتِّبَاعُهُ إيَّاهُ لفظاً لا يمنعُ مِن جوازِ تقديمِ (رَحيْمٌ) على غفور وذلك أَنّهما جميعاً خبران ، لـ (إِنَّ) ، وجاز تَقديم أَحدِ الخبرينِ على صاحبهِ فتقولُ : هَذا حلوٌ حامضٌ ويجوز : هَذَا حامضٌ حلوٌ ، فَلَك إذاً أَنْ تَقُولَ : فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعدِ إكراهِهِنَّ غفُورٌ رحيمٌ وإنْ شئتَ رحيمٌ غفورٌ.
وَيُحسِّنُ ذَلِك هُنَا أَيضاً شيءٌ آخرُ وهْوَ أَنَّ الرَّحْـمَـةَ كأَ نَّها أَسبَقُ رُتبَةً مِنَ
__________________
(١) من قوله تعالى من سورة النُّور : ٢٤ / ٣٣ : (وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُّنَّ فَإِنَّ اللهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
(٢) قال المبرد : «فأَما ما كانَ على (فَعِيل) نَحو رحيم وعليم فقد أجاز سيبويه النصب فيه ولا أراهُ جائزاً». انظر : المقتضب : ٢ / ١١٤.