ذلك (١). ومع كُلّ ما يُوجَّهُ إلى ابنِ مجاهد من نقد ، يجب الاعترافُ بأ نَّهُ فَتَحَ باباً جديداً للدراسات القرآنيَّة ثمَّ تَوَسَّعَتْ بعدَ ذلك دراساتُ الاحتجاجِ للقراءاتِ بعدِ أنْ جُمِعَتِ القراءاتُ ورَأينا فيَما سَبَقَ (٢) كَيْفَ نشطتْ حَرَكةُ التأليفِ في زمانِهِ وَبَعْدَهُ في الاحتجاجِ للقراءاتِ إِلى أَنْ أَلّفَ أَبو علي الفارسيّ (ت / ٣٧٧ هـ) كتابَ الحُجَّة محتجّاً للقراءاتِ التي جمعها ابنُ مجاهد ثم ألّفَ ابنُ جِنِّي (ت / ٣٩٢ هـ) كتاب المُحتَسَب في شواذِّ القراءاتِ ، وبهذا يُعدُّ ابنُ مجاهد من أَهم العوامل في تَنشيطِ حركةِ التألِيف في القراءات.
القراءة الشاذّة وغير الشاذّة
لقد قسّم علماءُ العامّة القراءاتِ على أقسام والذي يهمّنا هنا القراءَة الشاذة ، وَقَبْلَ أنْ نعرف القراءة الشاذة ينبغي أَنْ نعرف ما هو ضابط القراءة المقبولة عندهم؟ وهي : ١ ـ موافقتها العربيةَ وَلَوْ بوجه. ٢ ـ موافقتها أَحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً. ٣ ـ صحّة سندها (٣). ويرد على الأوّل : أنّ أكثر القراءات الشاذّة موافقة للعربيّة بوجه أو أكثر. وأمّا الثاني ، فهو شرطٌ عجيب إذ لا يُبنى الاستدلال على مجرّد الاحتمال. ويرد على الثالث : أنّ صحّة السند لا تخرج القراءة عن حيّز الخبر الواحد إلى التواتر المطلوب ، ولا إلى الشهرة المعتبرة المستلزمة لحجّيّة القراءة.
هذا هو الضابط الذي تُقبل به القراءة عندهم سواء أكانت عن السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من القرّاء المقبولين ، ومتى اختلَّ ركنٌ من هذهِ
__________________
(١) النشر : ٧٣ و ٩٠.
(٢) انظر : ص : ١٨.
(٣) النشر : ١ / ٩ والإتحاف : ٣.