قَالَ فِيما بَعدُ : يَئِستُ مِنْ نَوالِكُمُ (١).
تفاوتُ أَحوالِ الصفاتِ
قَرأ عبدُ الله بنُ مسلم بِنُ يَسار وأَبو زُرعَة بن عمرو بنُ جرير : (بأربَعَة شُهَداء) (٢) بالتنوين.
قَالَ أَبو الفتحِ : هَذَا حَسَنٌ فِي مَعنَاهُ ، وذَلِك أَنَّ أَسماءَ العَدَدِ مِنَ الثلاثةِ إلى العشرةِ لا تضاف إلى الأوصافِ. لاَ يُقَال عِندِي ثَلاَثةُ ظَرِيفينَ إلاَّ فِي ضَرُورة إلى إقامِة الصِّفَةِ مقام الموصوف ، ولَيسَ في حسن وضع الاسم هناكَ ، والوجهُ عِندِي ثلاثةٌ ظَريفون ، وكَذَلِك قَولُهُ : (بِأَربَعَة شُهَدَاءَ) لِتَجري (شُهَدَاءَ) عَلَى (أَربْعَة) وصفاً فَهَذَا هَذَا.
واعلمُ مِن بَعدُ أَنَّ الصّفاتِ لا تَتَسَاوى أحوالُها فِي قَيامِهَا مقامَ موصوفاتِها بَلْ بعضُها فِي ذَلِكَ أَحسنُ مِنْ بَعض فَمَتى دَلَّتِ الصِّفَةُ عَلَى مَوصوفِها حَسُنَتْ إقَامتُهَا مقامَهُ ، ومَتى لَم تَدل عَلَى مَوصوفِهَا قَبُحَتْ إقامَتُها مقامَـهُ.
فَمِنْ ذَلِك قَولَكَ : مَرَرتُ بِظَريف ، فَهَذَا أَحسَنُ مِنْ قَولِكَ مررتُ بطويل وذَلك أَن الظريفَ لا يكون إلاَّ إنسَانَاً مُذَكراً ورَجلاً أَيضاً ، وذَلِكَ أَنَّ الظَّرفَ إنّما هو حُسْنُ العِبَارَة وأَ نّه أمرٌ يَخُصُّ اللِّسانَ ، فَظَريفٌ إذاً مِمَّا يَخُصُّ الرِّجَالَ دُونَ الصِّبيان لاَِنَّ الصَّبِيَّ فِي غَالِبِ الأمرِ لاَ تَصِحُ لَهُ صِفَةُ الظَّريفِ ولَيسَ
__________________
(١) المحتسب : ١ / ٣٠٧.
(٢) من قوله تعالى من سورة النُّور : ٢٤ / ٤ : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً).