المقدمة
في مدينة الموصل في العراق وُلِدَ أَبو الفتح عثمان بن جنّي حوالي سنة (٣٢٠ هـ) من أَبوين روميين ، وفيها نشأ ومن شيوخها اكتسب علومه ثمّ تصدّى للتدريس في مسجدها.
وفي عام (٣٣٧ هـ) قَدِمَ الموصلَ أَبو علي الفارسي (ت / ٣٧٧ هـ) فوقف على حلقة درسه وناقشه في مسألة صرفية ، فقصّر أبو الفتح ابن جنِّي في الجواب ، فقال له أبو علي الفارسي : زبَّبتَ قبلَ أنْ تُحصرِمَ.
كان ذلك اللقاء والحوار بينهما سبباً للصلة التي عقدها أَبو الفتح مع أَبي علي فاكتسب منه علماً جمًّا ولازَمَه أربعينَ سنةً لم يفترقا إلاّ بموت أَبي علي عام (٣٧٧ هـ) فَحلّ التلميذ مكان شيخه في مجلس الدرس في بغداد.
وتشهد آثار أبي الفتح بن جنِّي على سَعَة باعه وعلوِّ كعبهِ في اللغة والنحو والصرف والأدب والقراءات القرآنية.
فقد كان أَحدَ نوابغِ العراقِ في القرن الرابعِ الهجريِ. جمعَ بينَ العلمِ والأدبِ من غير أنْ يجورَ أَحدَهُما على الآخر.
فالمتصفّح لآثارِهِ يجده عالماً عميقَ الثقافةِ واسعَ الاطلاع جمَّ المعرفة وقد اكتسبَ ذلك من مصاحبته جملةً من العلماءِ فانتفعَ بهم ، فقد قرأَ على أبي بكر محمّد بن الحسن بن يعقوب بن مُقَسِّم (ت / ٣٥٤ هـ) ، كما قرأَ على