أبي الفرجِ الأَصبهاني (ت / ٣٥٦ هـ) صاحب كتاب الأَغاني ، والتقى بأبي الطيب المتنبّي (ت / ٣٥٤ هـ) شاعر العربية الكبير فتصاحبا دهراً طويلا وكان كلٌّ منهما معجباً بالآخر.
فالمتنبّي يقول إذا رأى أَبا الفتح بن جنِّي : هذا رجلٌ لا يعرفُ قدرَهُ كثيرٌ من الناسِ ، ويقولُ : ابنُ جنّي أَعرفُ بشعري مِنّي. وإذا سُئِلَ عن شيء في شعره يقول : سلوا صاحبنا ابنَ جِنِّي.
وكانَ ابنُ جنِّي معجباً بالمتنبّي يذكرُهُ في كتبهِ ويُثني عليه ويسمّيه شاعرنا ، لكن العلم الغزير الذي أخذَه أَبو الفتحَ كانَ عن شيخه أبي علي الفارسي وكان يكثر من الاستشهاد به في مصنّفاتِهِ.
كانت منزلةُ أَبي الفتح من أَبي علي الفارسي منزلةَ سيبويه (ت / ١٨٠ هـ) من الخليل (ت / ١٧٥ هـ).
وكما كان سيبويه صادقاً وأميناً فيما نَقَلَ عن الخليل فقد كان ابنُ جِنِّي صادقاً وأَميناً فيما نَقَلَ عن شيخِهِ أَبي علي الفارسي ، وقد اتَّبَعَ ابنُ جِنِّي في بعضِ مصنّفاتِهِ خُطَى أُستاذِه أبي علي ، فبعد أنْ ألَّفَ أحمدُ بن موسى بنُ مجاهد (ت / ٣٢٤ هـ) كتاب (السبعة) الذي جمع فيه قراءة القرّاء السبعة ، ألّف أبو بكر ابنُ السّرَّاج (ت / ٣١٦ هـ) كتاباً يحتجُّ فيه للقراءات السبع التي جمعها ابن مجاهد (ت / ٣٢٤ هـ) فأنجزَ ما في سورة الفاتحة وبعض سورة البقرة ثمّ أَدركتْهُ المنيةُ دونَ قَصْدِهِ ، فَتصدَّى تلميذُهُ أَبو علي الفارسي (ت / ٣٧٧ هـ) لإِكمال العمل ، فأَ لّف كتابَ (الحُجَّة) يحتجُّ فيه لقراءة القرَّاءِ السَّبعَةِ التي جمعها ابنُ مجاهد (ت / ٣٢٤ هـ) ، ثمّ همَّ أنْ يضعَ يدَهُ في كتاب يحتجُّ فيه للقراءات الشاذَّة فاعترضتِ المنيةُ طريقَهُ وتُوفي ولم يُحقّقْ ذلك.