٥ ـ بدل الاشتمال
قَوْلُهُ تَعَالَى : (إِذْ هُمَا فِي الغَارِ) (١) بَدَلٌ مِنْ قَولِهِ جَلَّ وعَزَّ : (إذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢).
فَإنْ قُلْتَ : فَإنَّ وقْتَ إخراجِ الَّذِينَ كَفَروا لَهُ قَبْلَ حصولِهِ صلّى الله عليه وآله في الغَارِ فَكَيْفَ يُبْدَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ هُوَ هُوَ ، وَلاَ هُوَ أَيْضاً بَعْضُهُ ، وَلاَ هُوَ أَيضاً مِنْ بَدَلِ الاشتمالِ (٣) ، ومَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَدَلِ الغَلَطِ؟ قِيلَ : إذَا تَقَارَبَ الزَّمَانَانِ وضع أَحَدُهُمَا مَوضِعَ صَاحِبِهِ ، أَلاَ تَرَاك تَقولُ : شَكَرتُك إذ أَحْسَنْتَ إلَيَّ ، وأَ نَّـمـا كَانَ الشُّكْرُ سَبَبَاً عَنِ الإِحْسَانِ ، فَزَمانُ الإِحْسَانِ قَبلَ زَمَانِ الشُّكْرِ ، فَأَعْمَلتَ شكرتُ في زمان لَمْ يَقَعْ الشكرُ فِيهِ.
ومِنْ شَرْطِ الظَّرْفِ العامِلِ فِيهِ الفِعْلُ أَنْ يَكونَ ذَلِكَ الفِعْلُ وَاقِعَاً فِي ذَلِك الزَّمَانِ كَزُرْتُكَ فِي يومِ الجُمُعَةِ ، وجَلَستُ عِنْدَكَ يَومَ السَّبْتِ ولَكِنَّهُ لَمَّا تَجَاورَ الزَّمَانَانِ جازَ عَملُ الفعلِ فِي زمان لَمْ يَقَع فِيهِ لَكِنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُ ، وقد مَرَّ بِنَا هَذَا الحُكْمُ فِي المواضِع أَيْضاً ، قَالَ زِياد بن منقذ :
وهُمْ إِذَا الخَيْلُ جَالُوا فِي كَواثِبِها |
|
فَوارسُ الخَيلِ لاَ مِيلٌ ولاَ قَزَمُ (٤) |
__________________
(١ ـ ٢) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ٤٠ : (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ).
(٣) قال ابنُ الأنباري : إذْ هُمَا فِي الغَارِ ، منصوبٌ على البَدَلِ مِن قَولِهِ تَعَالى : (إذْ أخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا) وهو بَدَلُ الاشتمالِ.
وقال العكبري : (إِذْ هُمَا) ظرف لِنَصَرَهُ لاَِ نَّهُ بَدَلُ مِنْ إذْ الأُولى.
البيان في غريب إعراب القرآن : ١ / ٤٠٠ وإملاء ما منَّ به الرَّحمن : ٢ / ١٥.
(٤) الكواثب : جمع كاثبة ، وهي من الفرس ما بين أَصل العُنُقِ والكتفين والمِيلُ : جمع الأَميل ، وهو الجبان. والقَزَمُ : أرذل الناس. لسان العرب : ١٥ / ٣٧٧.