فَأَمَّا وجْهَ قِرَاءَةِ الجَمَاعَة : (بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) بالإضَافَةِ فَإنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لاَِ نَّهم قَدْ اسْتَعْمَلُوا (الشُّهَدَاءَ) استعمالَ الأسماءِ ، وذَلِكَ كَقَولِهِم : إذَا دُفِنَ الشَّهِيدُ صَلَّتْ عَلَيهِ المَلاَئِكَةُ ، وعُدَّ الشَّهداءُ يَومئذ فَكَانُوا كَذا وكذا ، ومنْزلَةُ الشهيد عِندَ اللهِ مَكيِنَةٌ.
فَلَمَّا أتْسع ذلكَ عَنْهُم جَرَى عِنْدَهُم مجرى الاسمِ فحسنت إضافة اسم العدد إليهِ حُسْنَها إذا أُضيفَ إلى الاسم الصريحِ أَو قَريباً مِنْ ذَلِكَ (١).
الحكايـة
١ ـ حكاية الحال
قَرَأَ طلحة : (ومَا يَسْتَغفرُ إبراهِيمُ لاَِبِيهِ) ورُويَتْ عَنْهُ أَيْضاً : (ومَا استَغْفَرَ إبراهيمُ لاَِبِيهِ) (٢).
قَالَ أَبُو الفَتْحِ : أَمَّا (يَسْتَغْفِر) فَعَلى حِكَايةِ الحَالِ كَقَولِكَ : كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ إنْ كان متوقّعاً منهُ القيام. وحكاية الحالِ فاشيةٌ في اللغةِ ، مِنْهَا قولُ اللهِ عِزَّوجلَّ : (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) (٣) ولَمْ يَقُلْ أَحَدُهُمَا مِنْ شِيعتهِ والآخر مِنْ عَدُوهِ.
وذَلِك أَنَّهُ تَعَالى لَـمّـا حَكَى الحالَ الماضيةَ صارَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله ومَنْ يسمعُ مِنْ بعدُ كالحاضرين للحالِ ، فقالَ : هَذَا وهَذَا. وقَالَ تَعَالَى : (وَإِنَّ
__________________
(١) تنظر : ص : ٤١٠. والمحتسب : ٢ / ١٠١.
(٢) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ١١٤ : (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لاَِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ).
(٣) سورة القصص : ٢٨ / ١٥.