قَالَ أَبُو الفتحِ : أَمَّا (تَسْتَكْثِرَ) بالنَّصبِ فَبِأَنْ مُضْمَرَة عَلَى مَا أَذْكُرُهُ لَكَ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بدلاً مِنْ قَوْلِهِ : (وَلاَ تَمنُنْ) عَلَى المَعْنَى. أَلاَ تَرَى أَنَّ مَعْنَاهُ لاَ يَكُنْ مِنْكَ مَنُّ واستِكثَارُ؟ فَكَأَ نَّهُ قَالَ : لاَ يَكُنْ مِنْكَ مَنُّ أَنْ تَسْتَكْثِرَ فَتُضْمر أَنْ لتكونَ مَعَ الفِعْلِ المَنْصُوبِ بِهَا بَدَلاً مِنْ المَنِّ فِي المَعنَى الَّذي دَلَّ عَلَيهِ الفِعْلُ ، وَنَظِيرُ اعتِقَادِ المَصْدَرِ مغروماً (١) عَنْ الفِعْل فِي نَحوِ هَذَا قَوْلُهُمْ : لا تَشْتُمهُ فَيَشْتِمَكَ ، أَيْ : لاَ يَكُنْ مِنْكَ شتمٌ لَهُ ، وَلاَ مِنْهُ أنْ يشتمَكَ فَكَما ساغَ هُنَاكَ تقديرُ المَصْدَرِ ، فَكَذَلِكَ سَاغَ هُنَا تَقديرُهُ أَيضاً. وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ الفِعْلُ مُوقِعَ المَصْدَرِ مَا أَنْشَدَهُ أَبُو زيد مِنْ قَوْلَهِ :
فَقَالُوا مَا تَشَاءُ فَقُلْتُ أَلْهُو |
|
إِلَى الإِصْبَاحِ آثِرَ ذِي أَثِيرِ (٢) |
أَرَادَ اللهوَ مَوْضِعَ أَلْهُو وَهَذَا وَاضِحٌ (٣).
المَصْدَرُ المُؤَوَّلُ
قَرَأَ المَاجشُونُ (٤) : (أَنْ ذُكّرْتُمْ) (٥) بهمزة وَاحِدَة مَفْتُوحة مقصورة وَلاَ يَاءَ بَعْدَهَا.
قَالَ أَبو الفتح : أَمَّا (أَنْ ذُكّرْتُم) فَمَنْصُوبَةُ الموضِعِ بِقَوْلِهِ سُبَحَانَهُ : (طَائِرُكُمْ
__________________
(١) مغروماً : مؤدّى ومأخوذ من قولهم : غرم الدية.
(٢) تنظر : ص : ٣٨٢.
(٣) المحتسب : ٢ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨.
(٤) هو يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمى المدني أخذ القراءةَ عن أبيهِ تُوفي سنة أربع أو خمس وثمانين ومئة. غاية النهاية : ٢ / ٤٠٥ والبحر المحيط : ٧ / ٣٢٧.
(٥) من قوله تعالى من سورة يس : ٣٦ / ١٩ : (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ).