وهما بلفظ واحد وعمل واحد فجمعُ المفتوحةِ مع المكسورةِ العاملةِ أَحرى بالجواز.
وبعدُ ، فالحقُّ أَحقُّ أنْ يُتَّبَعَ ، هذا بيتٌ لم يعرفْهُ أَصحابُنا ولا رووه ، والقياس من بعدُ على نهاية المجِّ لَهُ والإِعراضِ عنهُ ، لا سيّما وقد جاورَ بحرف الجرِّ حرفاً مثله لفظاً ومعنىً فلو وُجِدَ هذا البيت عُنوَاناً على كلِّ ورقة من مصحف أَبي عمرو لما جاز استعمال مثله في الشعر إِلاّ كَلاَ وَلاَ (١) فضلاً عن الأَخذِ به في كتابِ الله.
فإذا كانَ كذلك بطل رفعُ (كلّ) لما ذكرناه ووَجَبَ أَنْ يكونَ نصباً على لغة من نصبَ مع التخفيف فقالَ : إِنْ زيداً قائمٌ ، لأَ نَّهُ إِذا نصبَ زالَ الشك في أَنَّها ليستْ بالنافية ، لأنَّ تلك غيرُ ناصبة للمبتدأِ ، وترك ابن مجاهد ذكر الإعراب في (كلّ) يدعو إلى أَنْ يكونَ رَفْعاً ، إذْ لَوْ كانَ نَصْباً لذكَرهُ لِمَا فيهِ مِنَ الشذوذ الذي عليه وضع هذا الكتاب ، ففيه إِذاً ما تراه فَتَعْجَب منـهُ (٢).
٥ ـ أَنَّ أَصْلُ أَنِ المخفَّفَة
قَرَأَ ابن محيصن وبلال بن أَبي بُردة ، ويعقوب (٣) : (أَنَّ الحمدَ للّهِ) (٤) قال
__________________
(١) معناه : إِلاَّ قليلاً. والعربُ إذا أرادتْ تقليل مدّةِ فعل أوْ ظهورِ شيء خفيّ قالت كان فعل كَلاَ ، وربما كرّرت فقالت : كَلاَ ولاَ. انظر : اللسان : ٢٠ / ٣٥٧ والمحتسب : ٢ / ٢٥٦.
(٢) المحتسب : ٢ / ٢٥٥ ـ ٢٥٦.
(٣) وهي قراءة عكرمة ومجاهد وقتادة وابن يعمر وأبي مجلز وأبي حياة. انظر : البحر المحيط : ٥ / ١٢٧.
(٤) من قولـه تعالى من سورة يونس : ١٠ / ١٠ : (وَآخِـرُ دَعْوَاهُـمْ أَنِ الْحَـمْـدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).