خَبَر المبتدأ ، وإنْ كانَ هُو لَمْ يَقُلْ ذَلِك بَل هُو يعتقد أَنَّ نَفْعَهُ أَقربُ مِنْ ضَرّهِ ، لَكَّنِكَ أَخْبَرْتَ عنه أَنَّ صُورَتَهُ مَعَ تحصيلها صورةُ مَنْ يَقُولُ : ذَلِكَ (١).
الأَصل في الصِّفة أنْ تكونَ اسماً مفرداً
قَرَأَ أَنَسُ بنُ مَالِكَ : (كَشَجَرَة طيّبة ثَابت أَصلُها) (٢).
قالَ أَبو الفتح : إنَّ لقراءةِ أنس هذه وجهاً مِنَ القياس حَسَناً ، وذَلِكَ أَنَّ قَولَهُ : (ثَابت أَصْلُهَا) صفة لِشَجَرة ، وأَصْلُ الصفةِ أنْ تَكونَ اسماً مفرداً لا جملة ، يدلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الجملة إذَا جَرتْ صفةً للنكرةِ حُكِمَ على موضعها بِإعرابِ المُفردِ الَّذِي هيَ واقعةٌ مَوقِعَهُ.
فَإذَا قَالَ : (ثابِت أَصْلُهَا) فَقَدْ جَرَى لفظُ المَفرِدِ صفةً على النكرةِ وإذا قَالَ : (أصلُها ثابِتٌ) فَقَدْ وضَعَ الجملةَ مَوضِعَ المفرِدِ فالموضِعُ إذاً لهُ لا لها.
فَإنْ قُلتَ : فَلَيسَ اللفظ مفرداً ألا تَرَى أنَّهُ ثابت أصلها؟ قِيلَ هَذَا لاَ يبلغُ بهِ صورةَ الجُملَةِ لاِنَّ ثابتاً جار في اللفظِ عَلَى مَا قَبْلُهُ وإنَّمَا فيهِ أَنَّهُ وُضِعَ أَصْلُها لِتضَمُّنِهِ لِفظَ الضّمِير مَوضِعَ الضميرِ الخاصِّ بالأوَّلِ ، ولَيسَ كَذلِكَ أصْلُهَا ثابتٌ لاَِنَّ معكَ صورة الجملةِ البتَةَ ، فَهذَا تقويةٌ لِقَولِ أنَس.
وكَانَ أَبو عليّ يعتذرُ مِنْ إجازتِهم مَرَرتُ برجل قائم أبوهُ ، ويقولُ إنَّمَا
__________________
والرأي الّذي اختارَهُ أَبو الفتح هو رأي الأخفش المتقدِّمُ أولاً وقيلَ : هو فاسدٌ لاَِنَّ الكافرَ لم يعتقدْ قط أنَّ الأوثانَ ضَرُّها أقربُ من نفعِهَا. معاني القرآن للأخفش : ١٥١ / ب ومعاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٢١٧ والبحر المحيط : ٦ / ٣٥٦ ومجمع البيان : ١٧ / ٨٣.
(١) المحتسب : ٢ / ٢٥٤ ـ ٢٥٥.
(٢) من قوله تعالى من سورة إبراهيم : ١٤ / ٢٤ : (كَشَجَرة طَيِّبَة أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ).