ووجهٌ رابعٌ : وهو أنْ يكونَ (لَهُمْ) خبراً عن : (مَا يدَّعون) و (سَلْمٌ) خبرٌ آخر كقولنا : زيدٌ جالسٌ متحدّثٌ ، كما جازَ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ (لَهُمْ) فكذلك يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً مَعَهُ آخر.
فَإنْ قلتَ : إذا كان لهم سلمٌ لا حربٌ لهم فما فيه من الفائدة؟ قيلَ : قد يكونُ الشيءُ لك لكن على خلاج (١) وبعد شواجر الخلاف ، وذلك كالشيء المتناهَب ، فقد يحصلُ لأَحدِ الفريقينِ لكنْ على أَغراض من النزاع باقية فيه ، وَلَمْ يَصْفُ صفاءَ مَا لا تَعَلُّقَ للمُتبِعِ به ، فمعلومٌ أنَّ هذه الثوابتَ لأَربابِها لا تتساوى أحوالها في انحسارِ الشُّبَهِ والزخارفِ عنها (٢).
حذف المبتدأِ
روى ابنُ طاوس عن أبيه أنَّهُ قرأ : (وَيَسْأَ لُونَك عَنِ الْيَتَامَى قُلْ أَصْلِحْ إِلَيْهِمْ خَيْرٌ) (٣).
قال أبو الفتح : خيرٌ مرفوعٌ ، لأَ نَّهُ خبرُ مبتدإ محذوف أَي : أَصلِحْ إِلَيْهم فذلك خيرٌ. وإذا جازَ حذفُ هَذهِ الفاءِ معَ مبتدئها في الشرطِ الصحيح نحو قولِهِ :
بني ثُعَل لاَ تَنْكَعُوا العَنْزَ شِربَها |
|
بَنِي ثُعَل مَنْ يَنْكَعِ العَنْزَ ظالمُ (٤) |
__________________
(١) الخلاج : النزع. انظر : لسان العرب : ٣ / ٨٠.
(٢) المحتسب : ٢ / ٢١٤ ـ ٢١٥.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٠ : (وَيَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ).
(٤) البيت لرجل من بني أَسد. ويروى (بنو) مكان (بني) لا تنكعوا : لا تمنعوا. الشرب : النصيب. انظر : الكتاب : ١ / ٤٣٦ ولسان العرب : ١٠ / ٢٤٢ وشرح الأشموني : ٤ / ٢١.