ثم يرجع المعنى مِنْ بَعْدُ إلى أنّ معناه معنى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) لأَ نَّهُ ليس المراد والمبغي هنا نفس الحكام ، فإنّما المبغي نفس الحكم ، فهو إذاً على حذف المضاف ، أي : أفحكم حكم الجاهلية يبغون؟ وهذا هو الأوّل في المعنى فاعرف ذلك (١).
١ ـ حذف المضاف بدليل
قَالَ أَبو الفتح : فَأَمَّا قولُهُ تعالى : (هَلْ يَسْمَعَونَكُم إذْ تَدْعُونَ) (٢) فَإنَّهُ على حذفِ المضافِ وتقديُرهُ : هَلْ يَسْمَعونَ دُعَاءَكُمْ؟ وَدَلَّ عليهِ قَوْلُهُ : (إذْ تَدْعُونَ) ، وَيَقُولُ القائِلُ لِصَاحِبِهِ : هَلْ تَسمَعُ حديث أَحَد؟ فَيَقُولُ : مجيباً لَهُ : نَعَمْ أَسْمَعُ زيداً ، أَيْ : حديثَ زيد. وَدَلَّ قَوْلُهُ : حديثَ أحد عليه ، فَإنْ لَمْ تدلَّ عليه دلالةٌ لم يَجُزْ الاقتصارُ على المفعولِ الواحدِ.
لو قلتَ : سمعتُ الطائرَ لَمْ يَجُزْ ، لأَ نَّهُ لا يُعْلَمُ ، أَسَمِعْتَ جَرْسَ طيرانِهِ أو سمعتَ صياحَهُ على اختلاف أنواع الصياح؟ فهذا مِثَالٌ يُقَتَاسُ عَلَيهِ وَيُرَدُّ نحوُهُ ـ إذا أشكلَ ـ عليهِ (٣).
٢ ـ حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه
قَرَأ ابن جَمَّاز : (واللهُ يُريدُ الآخرةِ) (٤) يَحْمِلُهَا عَلَى عَرَضَ الآخرة.
قَالَ أَبو الفتح : وَجْهُ جوازِ ذَلِك على عِزَّتِهِ وَقَلَةِ نظيرهِ أَنَّهُ لَـمَّـا قَالَ :
__________________
(٣) المحتسب : ١ / ٢١١ ـ ٢١٣.
(٤) سورة الشعراء : ٢٦ / ٧٢.
(١) المحتسب : ٢ / ١٣٠.
(٢) من قوله تعالى من سورة الأنفال : ٨ / ٦٧ : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ).