(تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا) فَجَريَ ذَلِك العَرَضُ فصار كَأ نَّهُ أَعادَهُ ثانياً فَقَالَ : عَرَضَ الآخرةِ ، وَلاَ يُنْكَر نحو ذَلِك (١) ألا ترى إلى بيتِ الكِتَابِ :
أَكُلَّ امرئ تَحْسَبِينَ امرأً |
|
وَنَار تَوَقَّدُ بالليلِ نَارَا (٢) |
تَقْدِيرُهُ وَكُلّ نار؟ فناب ذِكْرُهُ (كُلاَّ) فِي أَولِ الكَلاَمِ عَنْ إعادَتِهَا فِي الآخر حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ : وَكُلَّ نار هَرَبَا مِنَ العَطْفِ عَلَى عاملين (٣) وَهُما كُل وَتَحْسَبِينَ.
وَعَلَيهِ بِيتُهُ (٤) أَيضاً :
إنَّ الكريـمَ وأبيـك يَعتَمِل |
|
إنْ لَمْ يَجِدْ يَوْماً عَلَى مَنْ يَتَّكِلْ (٥) |
أرادَ مَنْ يَتَّكِل عَلَيهِ ، فَحَذَفَ (عَلَيه) مِنْ آخرِ الكلامِ استغناءً عَنهَا
__________________
(١) قال سيبويه : وَتَقُولُ : مَا كُلَّ سوداءَ تمرةً ولا بيضاءَ شحمة وإنْ شئتَ نصبتَ شحمَةٌ.
وبيضاء في موضع جرّ كأ نَّك أظهرتَ كَلَّ فقلتَ ولا كلَّ بيضاء. الكتاب : ١ / ٣٣.
(٢) لأَبي دؤاد الإيادي وَيُنْسَبُ لِعَدِي بن زيد العِبادي. انظر : الكتاب : ١ / ٣٣ والأصول في النحو : ٢ / ٧١ والتمام : ٧٨ وشرح المفصل : ٣ / ٢٦ والمقرب : ١ / ٢٣٧ والمغني : ١ / ٢٩٠ وَهَمْع الهوامع : ٢ / ٥٢ ومعجم شواهد العربية : ١ / ١٤٧.
(٣) يذهب ابن جني إلى ما يذهب إليه سيبويه مِنْ مَنْع العطف على معمولي عاملين مختلفين وبه قالَ المُبَرِّدُ وابنُ السَّرَّاجِ وهشام والزمخشَري. وعن الأَخفش الإجازة وبه قَالَ الكسائي والفَرَّاء والزَّجَّاج وابن هشام. وَفَصَّلَ قوم منهم الأعلمُ الشنتمري تفصيلاً مذكوراً في (تحصيل عين الذهب) وقد سبق لأَبي الفتح أنْ ذكرَ هذا في كتابه التمَّام. ولِزيادةِ التفصيلِ في الحديثِ يُرْجَع إلى : الكتاب : ١ / ٣٣ والمقتضب : ٤ / ١٩٥ والأصُول في النحو : ٢ / ٧٠ والتمَّام : ٧٨ وشرح الكافية : ١ / ٢٩٩ ـ ٣٠١ والمغني : ٢ / ٤٨٦ وشرح المفصل : ٣ / ٢٧ ـ ٢٨.
(٤) يقصد بيت الكتاب.
(٥) يعتمل : يعمل لنفسه ويحترف. انظر : الكتاب : ١ / ٤٤٣ والخصائص : ٢ / ٣٠٥ والخزانة (بولاق) : ٤ / ٢٥٢.