العطف على المجزوم
قَرأَ الأَعرج : (ثُمَّ نُتْبِعْهُمْ) (١) بالجزمِ.
قالَ أَبو الفتح : يَحتَمِلُ جزمُهُ أَمرين :
أَحدهما : أَنْ يكونَ أَرادَ معنى قراءةِ الجماعةِ : (نُتْبِعُهُمْ) بالرَّفِع فأَسكنَ العينَ استثقالاً لتوالي الحَرَكَاتِ عَلَى مَا مَضَى فِي غيرِ موضع مَنْ هذا الكتاب (٢).
والآخر : أَنْ يَكُونَ جزماً فَيَعْطِفُهُ (٢) على قولِهِ : (نُهْلِكْ) (٤) فيجري مجرَى قولِكَ : أَلَمْ تَزُرْنِي ثُمَّ أُعطكَ؟ كقولِكَ (٥) : فَأُعطِكَ أَلَمْ أَحْسِنْ إليكَ ثمَّ أُوالي ذَلِكَ عَلَيْكَ؟ فيكون مَعْنَى هَذِهِ القراءةِ أَنَّهُ يريدُ قوماً أَهلكهم اللهُ سبحانَهُ بعدَ قوم قَبْلَهُم عَلَى اختلافِ أَوقَاتِ المُرْسَلينَ شيئاً بعدَ شيء ، فَلمَّا ذَكَر مَا تقَّضى على اختلاف الأوقاتِ فيهِ ، قَالَ تَعَالَى مُسْتَأنِفاً : (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ) (٦) فَيكونُ (الُمجْرِمُونَ) هُنَا مِنْ نُهْلِك مِنْ بَعْدُ.
وَقَدْ يَجَوزُ أَنْ يَعْنِي بِالِْمجْرِمينَ مَنْ مَضَى مِنْهُم وَمَنْ يَأَتِي فِيَما بَعْدُ ، المعنيان جميعاً متوجّهَانِ (٧).
__________________
(١) من قوله تعالى من سورة المرسلات : ٧٧ / ١٧ : (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ).
(٢) المحتسب : ١ / ١٠٩ و ٢ / ٣٣٨.
(٣) هذا الوجه ذَكَرَهُ الأَخفشُ والفرَّاءُ. معاني القرآن للأَخفش : ١٧٩ / أومعاني القرآن للفرَّاء : ٣ / ٢٢٣.
(٤) من قوله تعالى من سورة المرسلات : ٧٧ / ١٦ : (أَلَمْ نُهْلِكِ الاَْوَّلِينَ).
(٥) يبدو أنَّ في العبارِة تقديماً وتأخيراً وَقَدْ نَبَّهْ عَلَى ذَلِك محقّقو المحتسب.
(٦) سورة المرسلات : ٧٧ / ١٨.
(٧) المحتسب : ٢ / ٣٤٦.