قال أبو الفتح : أعاد الضمير على معنى (مَنْ) لا على لفظها الذي هو قراءة الجماعة ، وذلك أنَّ قولَ اللهِ تعالى : (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ) (١) لا يُعنى بهِ رجلٌ واحدٌ ، لكن معناه أنَّ هناك جماعة هذا وصفُ كلِّ واحد منهم ، فلمّا كان جمعاً في المعنى أعيد الضمير على معناه دون لفظهِ كقولهِ : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك) (٢) الحال فيها واحدٌ ، وَكَأنَّ الموضعَ لَحِقَهُ احتياطٌ في اللفظ خوفاً مِنْ إشْكَالِ معناه ، فضمَّ اللاّم من ليقولُن ليُعلم أَنَّ هذا حكمٌ سارِ في جماعة ، ولا يُرى أَنَّهُ واحدٌ لا أكثر منهُ ، فاعرفْهُ (٣).
ج ـ الذي
قرأ ابن يَعمَر (٤) : (تَمامَا عَلى الَّذِي أَحْسَنُ) (٥).
قال أبو الفتح : هذا مستضعَفُ الاِعرابِ (٦) عندنا (٧) ، لِحَذفِك المبتدأ العائد
__________________
(١) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٧٢ : (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً).
(٢) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٤٢ : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ).
(٣) المحتسب : ١ / ١٩٢.
(٤) ونسبت إلى ابن أبي إسحاق والحسن والأعمش. انظر : البحر المحيط : ٤ / ٢٥٥ وإتحاف فضلاء البشر : ١٣٢.
(٥) من قوله تعالى من سورة الأنعام : ٦ / ١٥٤ : (تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْء).
(٦) قال سيبويه : واعلم أنّه قبيح أنْ تقولَ هذا مَنْ منطلقٌ إذا جعلتَ المُنطلقَ حشواً : أو وصفاً ، فإنْ أطلتَ الكلامَ فقلتَ مَنْ خيرٌ منك حَسُنَ في الوصفِ والحَشوِ.
انظر : الكتاب : ١ / ٢٧٠ وإملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ٢٦٦.
(٧) لم يرَ الكوفيون في ذلك ضعفاً. انظر : همع الهوامع : ١ / ٩٠.