فأمَّا ما أنشدَنَا أبو علي عن الكسائي من قول الشاعر :
أخُو الذِّئبِ يعوي والغُرابُ وَمَن يَكُنْ |
|
شَرِيكَيهِ تَطْمَعْ نَفْسُهُ كُلَّ مَطْمَعِ (١) |
ففيه نظر ، وكان قياسُه وَمَن يَكُنْ شريكيهما أوْ مَن يَكونا شَرِيكيهِ ، وَقَد كانَ أبو علي يتعسّف (٢) هذا وأقرب ما فيه أَنْ يكونَ تقديرُهُ : وَأيّ إِنسان يكونا شريكيه إلاَّ أَنَّهُ أعادَ إليهما معاً ضميراً واحداً ، وهو الضمير في (يَكُنْ) وساغَ ذلك إذ كانتِ (٣) الذئبُ والغرابُ في أكثر الأَحوال مصطحبين فجريا مجرى الشيء الواحد فعاد الضمير كذلك ، ومثله قوله :
لِمَنْ زُحلُوقــــةٌ زلُّ |
|
بِهَا العينَانِ تنهـــلُّ (٤) |
ولم يقل تنهلان لكونهما كالعضو الواحد. ومثله للفرزدق :
وَلوْ رَضِيَتْ يَدَايَ بِهَا وضَنَّتْ |
|
لَكَانَ عليَّ لِلقَدَرِ الخيارُ (٥) |
ولم يقل (٦) ضنتا (٧).
وَقَرأَ الحسنُ : (لَيَقولُنَّ) (٨) بضم اللاّم على الجمع.
__________________
(١) تقدّم الشاهد : ص : ٦٥.
(٢) انظر : ص : ٦٤.
(٣) كأ نّه ذهب بالذئب إلى معنى البهيمة.
(٤) البيت لامرئ القيس يصف القبر ويشبِّهُهُ بالزحلوقة وهي آثار تزلّج الصبيان من فوق التلِّ إلى أسفله. انظر : الديوان : ٧٤ والهمع : ١ / ٥٠ ولسان العرب : ١٣ / ٣٢٥.
(٥) روي (قرّت) مكان (ضنَّت) و (لها على القدر) مكان (علي للقدر) ، وضمير بها للنوار زوجه. انظر : الديوان : ٢٦٤ والخصائص : ١ / ٣٥٨ والمحتسب : ٢ / ١٨١.
(٦) في المحتسب رضيتا وما أثبتناه عن تصويب المحقّقين.
(٧) المحتسب : ٢ / ١٨١.
(٨) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٧٣ : (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً).