أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لا يُرادُ أَنَّهُ في ذَلِك اليومِ نَعِدُكُم؟ كَيف ذا والوعدُ قَد وَقَعَ الآنَ ، إنَّما يُتوقّع إِنجازُهُ فِي ذَلِك اليومِ ، لَكن فِي قَولِهِ : (وَأَن يُحْشَرَ الناسُ ضُحَىً) النَّظَر ، فَظَاهِرُ حالِهِ أَنْ يَكُونَ مَجرورَ المَوضِعِ ، كَأَ نَّهُ قَالَ : مَوعِدُكُم يَومَ الزينَةِ وَحَشرِ الناسِ ضُحىً. أَي يومَ هذا وهذا ، فَيَكُونُ (أَنْ يُحشَرَ) مَعطُوفاً عَلَى الزِّينَةِ.
وَقَدْ يَجوزُ أَن يَكُونَ مَرفوعَ الموضِعِ (١) عَطَفاً عَلَى المَوعِدِ ، فَكَأَ نَّهُ قَالَ : إنجَازُ مَوعِدِكُم وَحَشرُ الناسِ ضحىً فِي يومِ الزّينَةِ (٢).
وَأَمّا مَن رَفَعَ فَقَالَ : (يَومُ الزِّينَةِ) فَإنَّ المَوعِدَ عَندَهُ ينبَغي أَن يَكُونَ زماناً ، فَكَأ نَّهُ قَالَ : وَقتُ وَعَدِي يَومُ الزّينَةِ كَقَولِنَا مَبعَثُ الجيوشِ شَهرُ كذَا ، أي : وَقتُ بَعثِها حَينَئذ وَالعَطفُ عَلَيهِ بِقولِه : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحَىً) يُؤكِّدُ الرفعَ ، لأِنَّ (أَنْ) لاَ تَكُونُ ظَرفاً ، أَلاَ تَرى أَنَّ مَنْ قَالَ : زيارَتُك إيَّايَ مَقدِمَ الحاج ، لا يقولُ : زِيارَتُك إيَّايَ أنْ يَقْدِمَ الحاجُّ؟ وَذَلِك أَنَّ لَفظَ المصدرِ الصريحِ أشبه بالظرف من (أَنْ) وَصِلَتِهَا التي بِمَعْنَى المَصدَرِ إذا كانَ اسماً لحدث والظرف اسم للوقتِ ، والوقتُ يِكادُ يكونُ حَدَثاً ، وعَلَى كُلّ حال فَلَستَ تَحصَلُ مِن ظرفِ الزمانِ عَلَى أَكثرِ مِن الحَدَثِ الّذي هو حركاتُ الفَلَك ، فَلمَّا تَدَانيا هذا التّدَانِي ساغَ وُقُوعُ أحدِهِمَا مَوقِعَ صَاحِبِهِ.
__________________
(١) وقد ذهب الفرَّاء إلى جواز هذين الوجهين وتابعه مكي بن أَبي طالب ثمّ أضاف إليهما جواز الرَّفع على تقدير موعدكم وقت حشر الناس. وقد جوَّزَ العُكبري وجهي الجرّ والرفع فقط بينما اقتصر ابن الأَنباري على الرفع دون غيره. معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ١٨٣ ومشكل إعراب القرآن : ٢ / ٤٦٤ وإملاء ما منَّ به الرَّحمن : ٢ / ١٢٣ والبيان : ٢ / ١٤٤.
(٢) نرجئ الحديث عن ذلك إلى باب العطف.