الموضعِ جِنساً (١).
وَقَرأَ الحسن : (اهْدِنَا صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢).
قال أَبو الفتح : ينبغي أَنْ يكونَ أَرادَ ـ واللهُ أَعلمُ ـ التذلُّلَ للهِ سبحانَهُ ، وإظهارَ الطاعةِ له ، أَي : قد رَضِينا منك يا ربَّنَا بِمَا يُقالُ لَهُ : صراط مستقيم ، ولسنا نريد المبالغة في قول من قرأَ : (الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) (٣) أي الصراط الذي قد شاعَت استقامته وَتَعُولِمَتْ في ذلك حالُهُ وطريقتُهُ : فإنَّ قليلَ هذا منك لنا زاك عِندَنا وكثيرٌ من نعمتِك عَلَينَا ، وَنَحنُ لَهُ مطيعون وإلى ما تأمرُ بِهِ وتنهى فيه صائرون.
وزادَ في حسن التنكير هنا ما دخله من المعنى ، وذلك أَنَّ تقديَرهُ أَدِم هِدَايتَك لَنَا ، فَإنَّك إذا فَعَلْتَ ذلك بنا فقد هديتنا إلى صراط مستقيم فجرى حينئذ مَجرى قولِك : لَئِن لقيتَ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لَتَلْقَيَنَّ مِنْهُ رَجُلاً مُتَنَاهِيًّا في الخيرِ ورسولاً جامعاً لِسُبُلِ الفَضْلِ.
فقد آلتْ بهِ الحالُ إِلى معنى التجريد ، كقولِ الأَخطل :
بنزوةِ لص بعدَ مَا مرّ مصعب |
|
بِأشعثَ لا يُفلَي ولاَ هُوَ يَقمَلُ (٤) |
ومصعب نفسهُ هو الأَشعثُ (٥) وعليهِ قولُ طَرَفَة :
__________________
(١) المحتسب : ١ / ٣١٢.
(٢) من قوله تعالى من سورة الفاتحة : ١ / ٦ : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ).
(٣) سورة الفاتحة : ١ / ٦.
(٤) ديوان الأخطل : ١٠ وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج : ٢ / ٦٦٦.
(٥) استشهد بهذا البيت مؤلّف كتاب إعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج : ٢ / ٦٦٦ ثمّ استشهد بهذه العبارة. وبهذا نضع علامة استفهام على نسبة مثل هذا الكتاب إلى الزجّاج المتقدّم على ابن جني زماناً.