وهو وإن كان في غاية القوّة. إلاّ أنّه غير آتٍ في هذه الآية ؛ لتعيّن الرجوع فيها إلى الأخيرة ؛ من جهة كون : « من » مع الأُولى بيانيّة ، ومع الثانية ابتدائيّة ، والمشترك لا يستعمل في معنييه معاً ، كما صرّح به من أرباب الأُصول جماعة (١).
مع أنّ الخبرين إذا اختلفا لم يتّحد نعتهما ، وصرّح به أيضاً طائفة ، كالزّجاج (٢) وغيره (٣) من أهل العربية ، مع نقلهم ذلك عن النحاة كافّة.
مضافاً إلى دلالة المعتبرة هنا على الرجوع إلى الأخيرة ، وظاهرها كونه قاعدة كلّية جارية في مضاهيات الآية.
فروى العيّاشي في تفسيره عن أبي حمزة ، عن مولانا الباقر عليهالسلام : أنّه سأله عن رجل تزوّج امرأة وطلّقها قبل أن يدخل بها ، أتحلّ له ابنتها؟ قال : فقال : « قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليهالسلام ، لا بأس به ، إنّ الله تعالى يقول ( وَرَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ) (٤) ولكنّه لو تزوّج الابنة ثم طلّقها قبل أن يدخل بها لم تحلّ له أُمّها » قال : قلت : أليس هما سواء؟ قال : فقال : « لا ، ليس هذه مثل هذه ، إنّ الله تعالى يقول : ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (٥) لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك ، هذه هنا مبهمة ، ليس فيها شرط ، وتلك فيها شرط » (٦).
__________________
(١) منهم العلاّمة الحلّي في مبادئ الوصول إلى علم الأُصول : ٧٦ ، وصاحب المعالم : ٣٨.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ٢ : ٣٤.
(٣) انظر الجامع لأحكام القرآن ٥ : ١٠٧.
(٤) النساء : ٢٣.
(٥) النساء : ٢٣.
(٦) تفسير العياشي ١ : ٢٣٠ / ٧٤ ، الوسائل ٢٠ : ٤٦٥ أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب ٢٠ ح ٧.