أيضا ، فوجده عند ذلك صابرا مسلما لأمر الله.
(فَلَمَّا أَسْلَما) يعني : ابراهيم وابنه أي استسلما لأمر الله ورضيا به أخذ أبيه (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) معنى تله صرعه ، والجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها ، وللوجه جبينان الجبهة بينهما. وقال الحسن : معنى تله أضجعه.
واختلفوا في الذبيح ، فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد بن المسيب والحسن في احدى الروايتين عنه والشعبي : انه كان إسماعيل وهو الظاهر في روايات أصحابنا ، ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) فدل على أن الذبيح كان إسماعيل.
ومن قال : انه يشير بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترك الظاهر ، لان الظاهر يقتضي البشارة بإسحاق دون نبوته.
ويدل عليه أيضا قوله (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) ولم يذكر إسماعيل ، فدل على أنه كان مولودا قبله. وأيضا فانه بشره بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يأمره بذبحه مع ذلك. وأجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل ان يعقوب يكون من ولد إسحاق. وقالوا أيضا : يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب.
والاول هو الأقوى على ما بيناه. وقد روي عن النبي عليهالسلام أنه قال : أنا ابن الذبيحين. ولا خلاف أنه كان من ولد إسماعيل ، والذبيح الاخر عبد الله أبوه.
وفي الناس من استدل بهذه الاية على جواز النسخ قبل وقت فعله ، من حيث أن الله تعالى كان أمره بذبح ولده ، ثم نسخ عنه قبل أن يفعله.
ولا يمكننا أن نقول : ان الوقت كان قد مضى ، لأنه لو أخره عن الوقت الذي أمره به فيه لكان عاصيا ، ولا خلاف أن ابراهيم لم يعص بذلك ، فدل على أنه نسخ عنه قبل وقت فعله.
ومن لم يجز النسخ قبل وقت فعله ، أجاب عن ذلك بثلاثة أجوبة :