وقال أبو مسلم محمد بن بحر الاصفهاني : أراد النعاج بأعيانها ، وهو الظاهر غير أنه خلاف أقوال المفسرين وقال : هما خصمان من ولد آدم ولم يكونا ملكين وانما فزع منهما ، لأنهما دخلا عليه في غير الوقت المعتاد ، وهو الظاهر ، غير أنه خلاف أقوال المفسرين على ما بيناه.
وقوله تعالى (أَكْفِلْنِيها) معناه اجعلني كفيلا بها ، أي ضامنا لأمرها ، ومنه قوله (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) (١) وقال أبو عبيدة : معناه ضمها اليه. وقال ابن عباس وابن مسعود معنى (أَكْفِلْنِيها) أنزل لي عنها (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي : غلبني.
فقال له داود (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ومعناه : ان كان الامر على ما تدعيه لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه ، فأضاف السؤال الى المفعول به وهي النعجة وأن يضيف اليها.
ثم أخبر أن كثيرا من الشركاء والخلطاء ليبغي بعضهم على بعض فيظلمه.
وقال أصحابنا : كان موضع الخطيئة أن قال للخصم : لقد ظلمك من غير أن يسأل خصمه عن دعواه ، وفي أدب القضاء : ألا يحكم بشيء ولا يقول حتى يسأل خصمه عن دعوى خصمه ، فما أجاب به حكم به. وهذا ترك الندب في ذلك.
وفي الناس من قال : ان ذلك كانت صغيرة منه وقعت مكفرة. والشرط الذي ذكرناه لا بد فيه ، لأنه لا يجوز أن يخبر النبي أن الخصم ظلم صاحبه قبل العلم بذلك على وجه القطع ، وانما يجوز مع تقدير الشرط الذي ذكرناه.
فصل : قوله (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ) الآيات : ٣١ ـ ٣٦.
(بِالْعَشِيِّ) يعني : آخر النهار. قال ابن زيد : صفن الخيل قيامها على ثلاث مع رفع رجل واحدة يكون طرف الحافر على الأرض ، قال الشاعر :
ألف الصفون فما يزال كأنه |
|
مما يقوم على الثلاث كسيرا |
__________________
(١). سورة آل عمران : ٣٧.